آخر الأخبار
الرئيسية » فريق الاتحاد المغربي للشغل بمجلس المستشارين » مداخلة فريق الاتحاد المغربي للشغل بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية رقم 80.18 برسم سنة 2019 بالجلسة العامة.

مداخلة فريق الاتحاد المغربي للشغل بمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية رقم 80.18 برسم سنة 2019 بالجلسة العامة.

السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون.

إن مناقشة مشروع القانون المالي برسم سنة 2019 المعروض على أنظار البرلمان،يعدّ محطة من المحطات النضالية في مسار نقابتنا العريقةالاتحاد المغربي للشغل التي ساهمت ولازالت تساهم في الدفاع عن الأسس القانونية لبناء مجتمع ديمقراطي يسوده العدل والتكافؤ والتضامن في ظل دولة الحق والقانون
السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون.
يأتي تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2019 في سياق حراك اجتماعي غير مسبوق وفي ظل احتجاجات تعرفها العديد من القطاعات والمدن المغربية جراء التهميش والفقر وسوء تدبيرالأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، وعدم نجاعة السياسات الموجهة لمحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية،وفشل جولات الحوار الاجتماعي بسبب العرض الحكومي الهزيل الذي لا يرقى لانتظارات عموم المأجورين، وَيُمَكِنَ من تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، في ظل ظرفية تتميز بارتفاع الأسعار وتجميد الأجور، والتضييق على الحريات العامة، وعلى رأسها الحرية النقابية باللجوء التعسفي إلى الفصل 288 من القانون الجنائي.
السيد الرئيس،
بعد النقاش العام لمشروع القانون المالي لسنة 2019 داخل اللجنة، وقفنا على الملاحظات التالية:
مشروع قانون المالية في واقعه تكريس للمنظور النيوليبرالي بتعميقه للمديونية وتوطيده لارتهان الاقتصاد بالدين الخارجي.
فالحكومة لم تنجح في إدراج أي إجراءات تهدفتخفيض معدل المديونية العمومية، التي يعاني منها المغرب منذ أكثر من ثلاثة عقود مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي، ومن آثارها السلبية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي داخليا، حيث أصبح المغرب من أكثر البلدان مديونية في إفريقيا والعالم العربي وشمال إفريقيا، بتصنيفه في الرتبة 29 عالميا والرتبة الأولى إفريقيا من طرف معهد ماكنزي الأمريكي للبلدان الأكثر استدانة، إذ أصبحت تمثل القروض 136 % من الناتج الداخلي الخام، علما بأن نفقات الدين العمومي تكلف الميزانية سنويا أكثر مما هو مرصود لبعض شعب الحماية الاجتماعية، كالتعويض عن فقدان الشغل.
مشروع قانون المالية لهذه السنة مجرد استنساخ للميزانيات السابقة، إذ لا ينطوي على أي مجهود استثنائي لإعادة الارتباط بقاطرة النمو:
فمرة أخرى يخضع المشروع للهاجس التقنوقراطي والمحاسباتي الصرف الذي رجحته الحكومة خلال إعداده رضوخا إلى توصيات إن لم نقل تعليمات المؤسسات المالية الدولية التي أصبحت تفقد الدول سيادتها على اقتصاداتها بمجملها.
فمستوى النمو الذي يهدف إليه مشروع قانون المالية 2019 والمتمثل في 3.2% يبقى أقل مما حققه الاقتصاد الوطني في سنة 2018ب 3.5% ، والتزامات الحكومة بتحقيق نسب ما بين 4.5% و5.5%في أفق سنة 2021في برنامجها المقدم للبرلمان.
مشروع قانون المالية هذا يكشف عن مفارقة بين الإرادة المعلنة للدولة بضرورة تغيير النموذج التنموي، كما تم الاعتراف بذلك من طرف أعلى سلطة في البلاد، وترجمتها المالية لطابع الاستمرارية في التدبير الحكومي.
فعدا بعض الإجراءات المعزولة، فإن المشروع لا يجيب عن الإشكالات الاجتماعية البنيوية:
ففي مجال التعليم، الذي يعاني من عجز مهول، نسجل أن مشروع قانون المالية 2019، رغم المجهودات المبذولة والتي لم يتم تقييم نتائجها، لازال يعاني من سوء الحكامة.
كما نسجل عدم استجابة المشروع الحالي للحاجيات البنيوية والبشرية التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي الذي لا يقبل المجازفة.وذلك بتكريس الهشاشة من خلال التركيز على التعاقد بخلق 15.000 منصب شغل، في حين لم يتجاوز عدد مناصب التوظيف 750 منصبا، وكذلك استمرار الخصاص على مستوى الموارد البشرية، وهو ما اعترفت به الوزارة نفسها محددة الخصاص على مستوى المدرسين ب 9558 مدرسا.
وإذ نشيد بإدراج إلزامية التعليم الأولي في الأسلاك التعليمية، نتساءل عن إمكانية التعميم الفعلي لهذا السلك، في غياب بنية تحتية لاستيعاب وإدماج الأطفال، خصوصا في المناطق القروية خاصة تلك التي تعاني من العزلة، والنقص المهول في الموارد البشرية الذي يعاني منه القطاع.
وعلى مستوى قطاع الصحة، فإن الميزانية المرصودة لها والتي لا تتعدى %5,9 في المائة من الميزانية العامة للبلاد، تبقى جد هزيلة لا ترقى إلى طموحات المواطنين في غياب النجاعة والحكامة في التدبير، وضعف الاستثمار على مستوى البنيات التحتية في مجموع التراب الوطني، خصوصا في العالم القروي، إضافة إلى ضعف التجهيزات الطبية والموارد البشرية بمختلف المستشفيات.
وفيما يتعلق بالإصلاح الإداري، أي إصلاح المرفق العمومي كورش مجتمعي كبير، يقتضي نقاشا مجتمعيا وتشاورا مع الفرقاء الاجتماعيين بعيدا عن المقاربة الانفرادية التي أتبتت التجربة أنها لم تنتج إلا التذمر والاحتقان الاجتماعيين.
فمشروع قانون المالية لسنة 2019 لم يعالج إشكالية الخصاص المهول على مستوى الموارد البشرية إذ لم يتجاوز عدد المناصب المالية 25 ألف منصب شغل، وهي ليست مناصب شغل صافية إذا ما أخدنا بعين الاعتبار الموظفين الذين سيحالون على التقاعد المقدر عددهم ب 11 ألف بالنسبة للمدنيين فقط،ولن يتأتى أي إصلاح دون ضمان انخراط واسع وحقيقي للعاملين بالقطاع العام، عبر تحفيزهم وحماية مكتسباتهم المادية والمعنوية،بدل تكريس الهشاشة داخل الوظيفة العمومية وتقسيم صفوف الموظفين إلى مرسمين ومؤقتين والتعامل بمنطق الفئوية مع مطالب الموظفين، ما يعمق الهوة بين أطر وموظفي الدولةالمماثلين في التكوين والمهام ويشيع التذمر والسخط بين صفوفهم، وأذكر هنا على سبيل المثال لا للحصر بما تعيشه فئة المتصرفين من تهميش وتمييز.
على مستوى الحماية الاجتماعية:
نلاحظ غياب منظور جدي لإرساء نموذج ناجع للحماية الاجتماعية، فثلثي المواطنين لا يتوفرون على حماية اجتماعية، ولعل فشل راميد في توفير تغطية صحية ناجعة للمستفيدين والولوج إلى خدمات صحية لائقة خير دليل على فشل الحكومة في مواجهة العجز الاجتماعي.
فالإجراءات الحكومية المتخذة في إطار تفكيك صندوق المقاصة، ورفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، وكذا نظام المقايسة المعتمد، تحت يافطة الإصلاح وبإيعاز من صندوق النقد الدولي، لم تواكبه إجراءات إصلاحية للسلاسل الإنتاجية المستفيدة من الدعم، ولا إصلاح للمنظومة الضريبية ولا إرساء لحماية اجتماعية فعالة تضمن ولوج الفئات الهشة للمرافق العمومية، ودعم قدرتها الشرائية، بالرغم من البرامج الاجتماعية المعزولة التي تفتقد إلى الالتقائية.
ومن تمت نؤكد على ضرورة اعتماد هذه الإصلاحات الهيكلية كمدخل للعدالة الاجتماعية.
ومن خلال مقاربة السياسة الجبائية نتساءل السيد الرئيس،
هل استطاعت الحكومة عبر مشروعها المالي السير في اتجاه إرساء العدالة الجبائية تحقيقا للعدالة الاجتماعية؟
يتضح من خلال تدابير قوانين المالية في العشرية الأخيرة غياب هوية واضحة لهذه الحكومة، باستثناء التوجه الليبرالي المحافظ المؤدي إلى تفقير الطبقة الهشة والوسطى، مقابل الانحياز الصارخ للرأسمال عبر التشجيعات والتحفيزات والإعفاءات الجبائية على حساب العمل ومداخيل العمل، وغياب أية رؤية استراتيجية لمحاربة الفساد وكل أشكال الريع وتضارب المصالح.
ففي الوقت الذي تشكل فيه الضريبة على الدخل بالنسبة للأجراء 74% من حصيلة الضريبة على الدخل، تقتطع من المنبع بالنسبة للمأجورين، فإن أصحاب المداخيل المهنية، وأصحاب المداخيل من الأرباح المالية والعقارية يلجؤون إلى نظام التصريح بشكل إرادي لمداخيلهم، ما قد يفقد ميزانية الدولة جزءا مهما من الموارد نتيجة التهرب الضريبي، ويضرب مبدأ الإنصاف الذي يقتضي اقتطاع الضريبة على الدخل بشكل عادل مهما كانت مصادرها.
كما ليس من الإنصافوالعدل أن يطال ويركز الضغط الجبائي على فئة محدودة من الملزمين، وهي الفئة التي تشكل عصب الطبقة الوسطى المراهن عليها في تحريك عجلة الاقتصاد عبر دورها المهيكل في الطلب الداخلي.
• لماذا لم تفلح الحكومة في توحيد مسطرة استيفاء الضريبة على الدخل لكل الملزمين؟
• وكيف للحكومة أن تستمر في إنهاك القدرة الشرائية للطبقات الشعبية بالتنصيص على ضرائب إضافية تستهدف الاستهلاك، كالضريبة على الاستهلاك الداخلي على بعض المواد والتي تنضاف إلى الضريبة عن القيمة المضافة، في الوقت الذي كنا نطالب فيه بمراجعة هذه الضريبة التي تطال المستهلكين دون اعتبار لوضعيتهم الاجتماعية؟
• وهل من المنطق أن تساهم أقل من 2 % من الشركات بأكثر من 80% من محصول الضريبة على الشركات وتصرح 69% منهابالعجز دون احتساب الشركات الحديثة النشأة؟
يتضح جليا من خلال قراءة تحليلية للإجراءات الجبائية التي يتضمنها مشروع القانون المالي لسنة 2019، أن هذا القانون:
يكرس استمرارية القوانين المالية السابقة، والتي أبانت عن قصورها في الاستجابةلمتطلبات العدالة الجبائية.
ففي الوقت الذي يتم فيه إرهاق كاهل الأجراء بالضرائب المباشرة وغير المباشرة، يتضمن مشروع القانون المالي لسنة 2019، تحفيزات جبائية تحابي رأس المال على حساب عموم المأجورين.
فكيف يتم التنصيص على تخفيض الضريبة على الشركات من 20% إلى 17% ، في إطار إقرار نظام جبائي تصاعدي للشركات، علما أن الضريبة على الشركات تعتمد على النسبية في مجمل الأنظمة الجبائية؟
وفي الوقت الذي يؤدي فيه الشخص الذاتي (قد يكون أجيرا) نسبة 38% كضريبة على الدخل لما زاد عن 180.000 درهم.
وكيف يتم إعادة التنصيص بشكل آلي على النفقات الجبائية لنفس المستفيدين، وعلى رأسهم لوبيات العقار، وبنفس المبالغ 32 و34 مليار، دون أن تكلف الحكومة نفسها عناء تقييم الآثار السوسيواقتصادية لهذه النفقات الجبائية، وكذا أثارها على التشغيل، وتوفير مناصب الشغل اللائق؟
وفي الوقت الذي نلمس فيه التوجه الإيجابي للحكومة في مجال التحفيز على استعمال الطاقات البديلة من خلال إعفاء المضخات المائية التي تعمل بالطاقة الشمسية والطاقات المتجددة المستخدمة في القطاع الفلاحي من الضريبة على القيمة المضافة، نسجل محدودية هذا الإجراء الذي لن يستفيد منه سوى كبار الفلاحين.
السيد الرئيس،
إن تحسين المؤشرات الاقتصادية، ومناخ الأعمال، ومعالجة مشكل البطالة المزمنة، لن يتأتىإلا توفير مناخ يضمن الاستقرار والتماسك الاجتماعي،بالانخراط الجدي للحكومة في حوار اجتماعييمكن من معالجة الإشكالات والاختلالات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، بهدف بلورة ميثاق اجتماعي يساهم في تثبيت السلم الاجتماعي على قاعدة احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للطبقة العاملة وعموم المواطنين.

السيد الرئيس،
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون.
إن تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة مظاهر الاحتقان الاجتماعي، وتذمر المواطنين من المستوى المتدني للخدمات الاجتماعية خصوصا على مستوى قطاع التعليم والصحة والسكن والولوج السليم للمرافق الإدارية وغيرها، يتطلب إجراءات استثنائية لم نلمسها في هذا المشروع، وان الاحتجاجات والإضرابات التي تعرفها بلادنا والتي تظل في مجملها ذات صبغة اجتماعية تنادي بالحق في التشغيل والاستفادة من الخدمات الاجتماعية وغيرها من الحقوق المتعارف عليها دوليا، يؤكد بالملموس ان ما جاء في مشروع القانون المالي لسنة 2019 لا يواكب طموحات الطبقات المستضعفة من المواطنين والتي لا زالت تبحث عن الاستقرار الاجتماعي والأسري.
السيد الرئيس
إننا في الاتحاد المغربي لشغل، نعتبر أن مأسسة الحوار الاجتماعي والتفاعل الإيجابي مع المطالب الملحة لعموم الطبقات الشعبية، هو وحده السبيل لضمان السلم الاجتماعي الذي يبقى من الشروط الأساسية لإطلاق عملية التنمية الحقيقية للبلاد.
وفي هذا الإطار نؤكد على تصورنا في الاتحاد المغربي للشغل، لإنجاح الحوار الاجتماعي بتجاوز الحكومة لعرضها الهزيل، وضرورة التفاعل الإيجابي مع مطلبنا في مقدمتها الزيادة العامة في الأجور بالقطاع الخاص والوظيفة العمومية وكل المؤسسات العمومية، وأن يتم تعميمها على سائر الفئات، والتخفيض الضريبي، والرفع من الحد الأدنى للأجور، وضرورة الاستجابة لمطالب عدد من الفئات المتضررة من النظام الأساسي في الوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، وتنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أبريل 2011، وكذا إيجاد حلول منصفة للمشاكل القطاعية الراهنة.