بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي ، إخواني ،
ها نحن اليوم نخلد فاتح ماي لهذه السنة بعد أن قاطعناه في السنة الفارطة احتجاجا على تعنت الحكومة، وتنديدا بسلوكها اللامسؤول تجاه الطبقة العاملة المغربية، وهو نوع من الاحتجاج ابتكرته الحركة النقابية في إطار النضالات التي تقودها.
نخلد فاتح ماي مؤكدين جميعا، عمالا وعاملات، مستخدمين ومستخدمات، موظفين وموظفات تلاحمنا، وتضامننا، ووحدة صفوفنا. ومن خلال تظاهراتنا الاحتفالية الحاشدة، نستعرض مطالبنا وتطلعاتنا وانتظاراتنا، ونعبر عن مواقفنا ورفضنا لكل التراجعات الاجتماعية، مجددين تشبثنا بمنظمتنا العتيدة، والتزامنا بقيمها السامية، واعتزازنا بتاريخها المجيد.
نخلد فانح ماي، ونجدد طاقاتنا النضالية، ويزداد عزمنا وإصرارنا على الدفاع عن حقوقنا المشروعة، ونتعاهد على مواصلة الكفاح من أجل تحقيق مجتمع ديمقراطي حر، خال من الاستغلال، والقهر والتسلط، مجتمع تتكسر فيه القيود، وتتحطم الحواجز الطبقية، مجتمع العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، مجتمع تتمتع فيه الطبقة العاملة بثمار عملها ومجهودها.
أخواتي إخواني،
كنا نتمنى أن يكون يومنا هذا، يوم احتفال وفرحة، يوما نثمن فيه حصيلة الحوار الاجتماعي، كنا نأمل صادقين، أن تكون هذه الحصيلة إيجابية، وفي صالح الطبقة العاملة المغربية وعموم المأجورين وكل فئات مجتمعنا. إلا أن الحكومة أبت إلا أن تفسد علينا جميعا هذه الفرحة، وتبقى متمسكة بسلوكها اللامسؤول تجاه قضايا ومطالب الطبقة العاملة المغربية، متمادية في تعنتها وإصرارها على تجاهل كل المبادرات التي قمنا بها من أجل فتح حوار جدي ومسؤول. بل، برهنت عن عجز مزمن في استخلاص الدروس والعبر بعد كل مظاهر وأشكال الاحتجاج التي قامت بها الطبقة العاملة بوعي ومسؤولية، وحس وطني عميق يقدر خصوصيات الظرفية التي تجتازها بلادنا.
أخواتي إخواني،
نخلد اليوم عيدنا الأممي بعد سنة حافلة بالاحتجاجات العمالية والشعبية، مليئة بالنضالات خاصة منها المسيرتان الوطنيتان الجماهيريتان الحاشدتان: مسيرة 29 نونبر 2015، ومسيرة 10 أبريل 2016 اللتان سطرت خلالهما الطبقة العاملة المغربية ملحمتين احتجاجيتين، للتعبير عن غضبها واستيائها وتنديدها بالسياسة الحكومية، ولتأكيد تشبثها بمطالبها العادلة والمشروعة. كذا الإضراب الوطني العام في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية يوم 10 دجنبر 2015 وملحمة الإضراب الوطني العام ليوم 24 فبراير 2016، ولا ننسى الاعتصامات أمام البرلمان احتجاجا على تغييب الحوار وعلى محاولة تمرير مشروع إصلاح التقاعد في البرلمان.
المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها
أخواتي إخواني،
ونحن نعيش اليوم تظاهرات عيدنا الأممي، لابد وأن نضع نصب أعيننا ما تتعرض له بلادنا من دسائس تستهدف وحدتها الترابية، ومؤامرات ترمي إلى زعزعة ما تنعم به من استقرار، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، التي عرفت تصعيدا غير مسبوق في تاريخ نزاع مفتعل، مفروض على المغرب حول مغربية صحرائه. وبتدخل مكشوف ومرفوض لأطراف مفروض فيها الحياد، وطبيعة مهامها تحتم عليها الموضوعية والابتعاد عن كل انحياز.
إن التصريحات والتصرفات الأخيرة للسيد بان كي مون، الخارجة عن كل أعراف ومبادئ ومهام الأمم المتحدة، والمخالفة لقرارات مجلس الأمن، والمواقف التي تعبر عن انحيازه إلى الطرف الانفصالي، تفقده كل أهلية للعب دور من شأنه إيجاد حلول متوافق عليها بين أطراف هذا النزاع المفتعل. هذا إضافة إلى افتقاده إلى العزيمة الحقيقية، الكفيلة بمساعدة الأطراف على الوصول إلى حل سياسي كما دعت إلى ذلك قرارات عديدة لمجلس الأمن منذ سنة 2007، الأمر الذي يجعل من خرجاته الأخيرة، وهو في أواخر مدة انتدابه، أكبر من مجرد انزلاقات أو سلوكات متهورة. الأكيد أن هناك خلف الستارة من يحبك سيناريوهات صراع التوازن بالمنطقة المغاربية، ويسعى إلى ضرب سيادة واستقرار المغرب. دون أخذ بعين الاعتبار مقترح الحكم الذاتي الموسع، الذي تقدم به المغرب في غياب أي مبادرة عملية من الأطراف الأخرى، وهو المخرج الموضوعي الوحيد القابل للتحقيق.
إن التقرير الذي قدمته الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، تؤكد مضامينه الملغومة انحياز معديه لخصوم وحدتنا الترابية، ومن ثمة فهو لا يلزمنا في شيء، ونحن كحرمة نقابية نرفضه وندينه، ولن يزيدنا سوى تشبثا بحقنا في أرضنا وترسيخا لإيماننا بصحة مواقفنا الوطنية التي دأبنا عليها منذ معركة التحرير من الاستعمارين الفرنسي والإسباني. فالطبقة العاملة المغربية التي قادت الكفاح ضد المستعمر خلال خمسينيات القرن الماضي تجدد اليوم عزمها على مواصلة الكفاح التحرري ومواجهة كل الدسائس والمؤامرات التي تستهدف وحدتنا الترابية. لن نفرط أبدا في شبر من أراضينا، ولن نتنازل عن حقوقنا المشروعة، كما لن نتوقف عن المطالبة باسترجاع ما تبقى من ثغورنا المحتلة. وخير ما نختم به الحديث عن هذا الموضوع، شعار أجمع عليه كل المغاربة بمختلف فئاتهم وأعمارهم ومواقعهم الاجتماعية والمهنية: “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”.
تردي الأوضاع الاجتماعية
أخواتي إخواني،
لقد ابتلينا بحكومة لا تقدر فعلا حجم التبعات الاجتماعية التي تخلفها سياساتها ومقدار التذمر العارم والغضب الجماهيري الذي تخلفه إجراءاتها اللاشعبية، فالأوضاع لم تزدد إلا ترديا وتفاقما، والهوة مافتئت تزداد اتساعا بين كمشة من المستحوذين على خيرات البلاد، وملايين الكادحين، نفس الأوضاع التي كم نددنا بها تتكرر مع إصرار الحكومة على التعنت والمضي في سياساتها اللاشعبية التي يتحكم فيها المنطق المحاسباتي على حساب البعد الاجتماعي.
إن بلادنا التي حباها الله بخيرات، وثروات طبيعية وبشرية، وموروث حضاري وثقافي يؤهلها لأن تكون أوضاعها أحسن بكثير مما هي عليه اليوم، لكن ما العمل، والحكومة الحالية لم تعرف كيف تتعامل بعقلانية مع كل ذلك الغنى وتلك النعم، ولا كيف تعمل على تصريفها وفق عدالة اجتماعية،. وعوض أن يعيش شعبنا في رفاهية وتنعم بلادنا بخيراتها، هاهي اليوم، تعيش على إيقاع نفس ضيق الأفق في ظل غياب تصور واضح، وتخطيط محكم، لينحصر الإبداع والاجتهاد الحكومي في التطاول على مكتسبات، وحقوق الطبقة العاملة، وكل الفئات الشعبية المقهورة. فالقدرة الشرائية للكادحين والمستضعفين، كانت سهلة المنال، والإجهاز عليها، بمعية تردي الخدمات الاجتماعية عبارة عن شهادة امتثال وحسن سلوك قدمتها للمؤسسات المالية الدولية. فمن عزم على العودة بالمغرب إلى برامج التقويم الهيكلي السيئة الذكر، التي أدت الطبقة العاملة المغربية ثمنها غاليا، إلى إجراءات تمهيدية من أجل إلغاء صندوق المقاصة، والإجهاز على أنظمة التقاعد، والتخلي عن الاستثمارات العمومية، والزيادة في الضرائب، والارتفاعات المتتالية في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وتجميد للأجور، وضرب للقدرة الشرائية المتدهورة أصلا.
محنة الحريات النقابية في بلادنا
أخواتي إخواني
إن منطق انحياز الحكومة للمحظوظين، وخدمتها لمصالح الرأسمال المتوحش، يقود إلى مخططات تصفية المكاسب النقابية، التي حققتها الطبقة العاملة، بفضل نضالاتها، وتضحياتها لعقود من الزمن، وذلك ما نشهده من خلال ضرب الحريات والحقوق النقابية، والقيام بحملة مسعورة على حق الإضراب المكفول دستوريا، والمحمي بالمواثيق والمعاهدات الدولية، بالاستعمال المفرط للفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي المغربي في متابعة المسؤولين النقابيين، المدافعين عن حقوق العاملات و العمال.
إن موقع الاتحاد المغربي للشغل في واجهة النضال والكفاح العمالي، ووفاءه لتاريخه وهويته ومبادئه ومسؤولياته، جعله يحظى بالنصيب الأوفر من هذا الهجوم المعادي للحريات والحقوق النقابية، فإخواننا المسؤولون النقابيون والمناضلون، يتعرضون يوميا لضغوطات متعددة: متابعات قضائية، وإجراءات انتقامية، منها الطرد والتنقيلات التعسفية والشطط، والحيف، والظلم، ممارسات تتحالف فيها الباطرونا مع السلطات، تستهدف المناضلين عند تأسيسهم لمكتب نقابي، أو تقديم ملف مطلبي، أو عند مطالبتهم بتطبيق مدونة الشغل. ولعل في الأمثلة الصارخة لما حدث ل 620 عامل بشركة مغرب ستيل للصلب بالدار البيضاء، و400 عامل بشركة ميد بيبير بطنجة، ول 6 مسؤولين نقابيين بشركة أ ب م بميناء طنجة و500 عامل بشركة سيتي باص في فاس ما يغني عن أي تعليق. كلهم طردوا من طرف أرباب عمل يتصرفون كالأباطرة، ويتواجدون فوق القانون، بينما تقف السلطة ومختلف الأجهزة الحكومية أمامهم موقف المتفرج. فما ذنب مئات الأسر التي شردت، سوى أن معيليها آمنوا بأن القانون يحميهم، ويكفل لهم حرية انتمائهم النقابي. يحدث كل هذا في ظل دستور 2011 الذي عزز الحريات العامة والديمقراطية التشاركية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أخواتي إخواني،
رغم هذا الهجوم المعادي للاتحاد المغربي للشغل، ولمواقفه النضالية، ودفاعه على حقوق ومصالح الطبقة العاملة وكل الأجراء، ورغم المضايقات والمنع والنفخ في النقابات الحزبية ووسائل التزوير، فقد تبوأت نقابتنا الصدارة في الاستحقاقات المهنية لشهر يونيو 2015، هذه الاستحقاقات التي حقق الاتحاد المغربي للشغل خلالها، بفضل نضالات ووحدة وتماسك وتضامن مناضليه، فوزا ساحقا في كل القطاعات المهنية: القطاع الخاص والقطاع العام وشبه العام والجماعات المحلية. هكذا ورغم الهجمات الشرسة وتدخل الأحزاب والتضييق على مناضليه، فقد أكد الاتحاد المغربي للشغل، وأثبت أنه القوة النقابية الأولى في المغرب، والممثل الحقيقي والفعلي للطبقة العاملة المغربية.
قيمة التفاوض الجماعي تكمن في قيمة نتائجه
أخواتي إخواني
رغم أن التجارب والأحداث عودتنا على أن هذه الحكومة لا تتعامل بجدية مع القضايا الاجتماعية المطروحة، ولا تلتزم بقواعد الحوار، ولا تتعاطى بإيجابية مع الملفات المطلبية للحركة النقابية، فقد ذهبنا يوم 12 أبريل 2016 عن حسن نية، وبحس وطني خالص، ورغبة صادقة للتحاور مع مكونات حكومة كنا نأمل في تقديرها لجسامة المسؤولية خلال هذه الظرفية الدقيقة من تاريخ بلادنا وتحملها لمسؤوليتها بالرجوع إلى جادة الصواب وتغيير مواقفها المعادية للطبقة العاملة المغربية بالتراجع أولا عن الضرب الممنهج لمكتسباتها والإجهاز على الحرية النقابية والقدرة الشرائية للفئات الشعبية وعموم الجماهير المغربية التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الغلاء وضيق ذات اليد والفقر المدقع.
وبعد عدة اجتماعات مارطونية بين ممثلي الاتحاد المغربي للشغل والحركة النقابية من جهة والحكومة وأرباب العمل من جهة أخرى، فوجئنا خلال اجتماعنا برئيس الحكومة يوم الجمعة 29 أبريل 2016 بعرض حكومي هزيل جدا لا يرقى إلى تطلعات وانتظارات الطبقة العاملة، ولا يستجيب للحدود الدنيا من مطالبنا.
أمام هذا العرض الذي نعتبره قمة الاستهتار بالحركة النقابية، ودريهماته القليلة قمة الاستخفاف بالطبقة العاملة، أعلن وفد الاتحاد المغربي للشغل حينه رفضه القاطع مؤكدا تشبثه بملفه المطلبي الذي قدم في شأنه البراهين والحجج الدامغة ومحاوره الكبرى: تحسين الأجور والدخل ـ سحب مشروع ما تسميه الحكومة إصلاحا للتقاعد ـ احترام الحريات النقابية ـ مأسسة الحوار الاجتماعي.
…. ويستمر نضالنا
أخواتي، إخواني،
لا خيار لنا، سوى التشبث بمطالبنا، والتمسك بأهدافنا، ومواصلة التعبئة والتنظيم، وذلك لمواجهة الهجوم المعادي لمصالح الطبقة العاملة المغربية. سنواصل النضال الاجتماعي والسياسي بكل الأشكال والأساليب المناسبة، ونستمر في الاحتجاج، وفي مواجهة هذه الحكومة التي تكن العداء للطبقة العاملة، وتعمق بالممارسة، وبنظرتها الأحادية الضيقة خندق الجفاء بينها وبين كل الأجراء والكادحين، مهددة بذلك السلم الاجتماعي والتماسك المجتمعي، مدخلة البلاد في نفق مجهول العواقب.
ردنا الوحيد على هذه الحكومة هو مواصلة النضال. سنناضل من أجل حقوقنا المشروعة والعادلة، والنصر حتما سيكون للطبقة العاملة القوة التي لا تقهر، تاريخها الطويل والمجيد في الكفاح الوطني والاجتماعي والسياسي يؤكد ذلك… صدقوني أخواتي إخواني الكلمة الأخيرة ستكون للطبقة العاملة، وهذه حقيقة لا غبار عليها، تذهب حكومة وتأتي حكومة والطبقة العاملة دائمة الوجود والحضور. فالمجد للطبقة العاملة التي نفخر جميعا بانتمائنا إليها معتزين بتاريخها البطولي ملتزمين بالدفاع الدائم عن حقوقها وكرامتها وعزتها.
من جديد نعاهدكم أخواتي إخواني، أننا لن نخلف الموعد ، بل سنبقى أوفياء لهوية ومبادئ وتاريخ وأهداف الاتحاد المغربي للشغل حتى تتمكن الطبقة العاملة المغربية من تحقيق كامل غاياتها، ونجدد التزامنا بخدمة مصالح العمال والجماهير الشعبية وصيانة مكتسباتها، ومواصلة النضال حتى تحقيق الديمقراطية الحقة، والعدالة الاجتماعية، وازدهار الوطن وتقدمه، وضمان الحياة الكريمة لعمال وشعب المغرب.
وفي الأخير، نجدد التأكيد على تضامننا مع عمال وشعب فلسطين البطل، ومساندته في نضالات طبقته العاملة ومقاومته الباسلة في مواجهة الغطرسة الصهيونية الغاشمة. ونطالب المنتظم الدولي دعمه من أجل إقامة دولته المستقلة التي عاصمتها القدس الشريف. كما نؤكد تضامننا مع عمال وشعوب جميع الدول التي تناضل ضد كل أشكال الاضطهاد والاستبداد.
عاشت الطبقة العاملة المغربية
عاش الاتحاد المغربي للشغل
عــاش المغـــرب