مداخلة فريق الاتحاد المغربي للشغل
في إطار تفسير التصويت على مشروع
قانون المالية رقم 35.20 المعدل للسنة المالية2020
السيد الرئيس
السيد الوزير
السيدات والسادة المستشارين
إن الأوضاع الاستثنائية التي عرفتها بلادنا بسبب جائحة كوفيد 19 فرضت على الحكومة بتوجيهات ملكية اتخاذ مجموعة من الإجراءات النوعية للتحكم في الحالة الوبائية، والحد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن حالة الطوارئ الصحية، واتخذت فيها الحكومة شعار: الإنسان أولا والصحة قبل الاقتصاد. إجراءات حظيت بإجماع وطني في مرحلتها الأولى (وقد كانت لنا فرصة للتنويه بها)، قبل أن يطفو إلى السطح التخبط الحكومي، في مرحلة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، وما واكبه من تعتيم وتضارب في التصريحات وتعارض في القرارات، جعلت المواطن يضيق ذرعا بقساوتها ويشكك في جدواها بعد الفشل المسجل في احتواء البؤر الوبائية في الوحدات الإنتاجية الصناعية والخدماتية بسبب غياب شروط الصحة والسلامة وعم الالتزام بالإجراءات الوقائية.
وإذا كان تدبير الأزمة قد أربك المرتكزات والمؤشرات والفرضيات التي اعتمدها القانون المالي فأصبحت متجاوزة، الإنتاج، الطلب، نسبة النمو …ما برر اللجوء للقانون التعديلي، كآلية دستورية ، تسمح بإعادة ترتيب الميزانية العمومية بناء على مخرجات النقاشات ومداولات المؤسسة التشريعية. إلا أن عدم اعتماد الحكومة لمنهجية الحوار القبلي، والتوافق حول التوجهات الكبرى، مع الفرقاء الاجتماعيين وكل الفاعلين والمعنيين، يحد من مشروعيته الديمقراطية، ليصبح مجرد وثيقة تقنية تخضع لمنطق التوازنات المحاسباتية، لم تستخلص بشأنه الحكومة الدروس المستقاة من الجائحة لتغيير مقاربتها ومنهجيتها في تدبير الشأن العام. وما إقصاء الحركة النقابية من عضوية لجنة اليقظة الاقتصادية إلا دليل على إبقاء دار لقمان على حالها.
السيد الوزير،
لقد كان مشروع القانون التعديلي فرصة سانحة لمراجعة الخلفيات الفكرية والاستراتيجية للسياسات العمومية، والاعتراف والإقرار بأهمية دور الدولة ورد الاعتبار للقطاع العمومي وإعادة النظر في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والوصفات الجاهزة للمؤسسات المالية الدولية المانحة، التي تعتبر الانفاق العمومي تكلفة وعبء ثقيلا على الميزانية العمومية، خاصة بعد مواجهة الجائحة، وما أثبته من أهمية استراتيجية وحيوية للقطاعات الاجتماعية ذات الأولوية وعلى رأسها التعليم والصحة.
فقد كنا ننتظر أن ينبني هذا المشروع على بعض المرتكزات ك:
• إطلاق خطة جديدة إرادية ومحكمة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
• الحفاظ على الدخل ودعم القدرة الشرائية، والحد من الهشاشة اجتماعيا ومجاليا، والحفاظ على مناصب الشغل خذمة للاستقرار الاجتماعي؛
فقد نتج عن توقف الأنشطة الاقتصادية تداعيات كبيرة ومركبة الأبعاد، فتضررت العديد من القطاعات، وانخفض الطلب الداخلي، وتقلصت تحويلات مغاربة العالم (الذين بالمناسبة تنامى لديهم الشعور بتخلي الدولة عنهم)، وتراجعت ميزانية الدولة ب 40 مليار مراكمة عجزا ب 81 مليار، اضطرت معه الحكومة إلى الاقتراض الخارجي.
أما على المستوى الاجتماعي، فالتداعيات كارثية بعد أن توقفت 60% من المقاولات المنخرطة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتوقف 925 ألف عامل مؤقتا، عن العمل ثلثهم سيطالهم التسريح النهائي. بالإضافة إلى حوالي 300 ألف من الوافدين الجدد من طالبي الشغل. منذرة بأرقام قياسية وشيكة لنسبة البطالة.
وما قد يترتب عن هذا الوضع من تنامي حدة الفقر، وتعميق الفوارق الاجتماعية ، بعدما أصبح حوالي 10 ملايين مواطن مهددا بالعيش تحت عتبة الفقر.
بالمقابل جاء مشروع القانون المالي التعديلي ببعض الإجراءات المؤقتة في الزمان، والمحدودة في الأفق على مستوى الآثار الاقتصادية والاجتماعية. ففي الوقت الذي يتم الرهان على تشجيع المنتوج الداخلي، اقتصر مشروع القانون على رفع التعرفة الجمركية على الواردات من 30 بالمائة إلى 40% رغم محدودية فعالية هذا الإجراء اقتصاديا لأن أغلبية الدول التي نستورد سلعها تربطنا معها اتفاقيات التبادل الحر، إضافة إلى آثاره الوخيمة اجتماعيا بتعميق تدهور القدرة الشرائية، لأن المستهلك هو من يتحمل ارتفاع الأسعار في نهاية المطاف.
في نفس الاتجاه نسجل الآثار السلبية وغير المدروسة لبعض الإجراءات التي تبدوا مهمة والتي من شأن سوء تطبيقها أن يزيد الأزمة الاجتماعية استفحالا:
– فإجراء دعم المقاولات المشروط بالحفاظ على 80 % من مناصب الشغل في صفوف الأجراء المسجلين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قد تعتبره بعض المقاولات ترخيصا blanc seing مسبقا للتخلص من 20 % من الأجراء، دون إثبات تضررها، وسيكون أغلب ضحاياه من اليد العاملة النسائية والأجراء البسطاء، والعاملين بالمناولة والعمال المؤقتين.
كل ذلك في غياب شبكات الحماية الاجتماعية، علما أنه باستثناء المبالغ المخصصة للدفعة الحالية من صندوق الجائحة، فلا إشارة إلى تمديد هذا الدعم للأشهر المقبلة التي تتزامن مع اقتراب عيد الأضحى والدخول المدرسي، في حين كان الأجدر استمرار الدعم إلى حين استعادة الاقتصاد الوطني لعافيته كما طالب بذلك الاتحاد المغربي للشغل.
– وعلاقة بالاستثمار العمومي، الذي يشكل قاطرة للاقتصاد فتخفيض غلافه المالي إلى 182 سيؤثر لا محالة على جودة الخدمات العمومية، ويحد من دور الدولة في تحريك الاقتصاد،
– من جهة أخرى لم يأخذ مشروع القانون بعين الاعتبار حاجيات القطاعات الاجتماعية الحيوية والاستراتيجية، رغم ما أبانت عنه الجائحة من أولويتها وأهميتها، في وقت كنا ننتظر الرفع من مناصب الشغل لسد الخصاص المهول، من الموارد البشرية بالوظيفة العمومية كقطاع الصحة الذي بات يفرض الاعتراف بخصوصيته، والتعليم والبحث العلمي كقطاعات استراتيجية.
السيد الوزير
لقد كان حريا بالحكومة أن تعتبر وتستخلص الدروس من أزمة كوفيد التي عرت عن العديد من الأعطاب المزمنة ببلادنا اقتصاديا واجتماعيا:
* بدءا بالحفاظ على مناصب الشغل واحترام حقوق العمل بدل شرعنة التسريحات العمالية والتغاضي أحيانا عن طرد العمال لأسباب نقابية كما يقع في العديد من القطاعات (الخدمات الأرضية بالمطارات والموانئ …) بل حتى في تلك التي كنا نعتقد أنها في منآى عن هذه التجاوزات والخروقات كما هو الشأن بقطاع الإعلام السمعي البصري (ملف صحافيي قناة ميدي1 تيفي).
* كان حريا بالحكومة أن تجعل من مشروع القانون المالي نقطة انطلاق للإصلاحات الكبرى، واتخاذ قرارات جريئة وعلى رأسها وضع منظومة شاملة للحماية الاجتماعية وهيكلة القطاع غير المنظم…؛
* دعم القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا خاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، والمقاولين الذاتيين، من خلال تحفيزات مالية وجبائية ومواكبتها لتكون فضاء قادرا على استقطاب اليد العاملة.
* استحضار البعد البيئي كخيار استراتيجي لتوجيه السياسة الاقتصادية وضمان التنمية المستدامة؛
* مباشرة إصلاح المنظومة الجبائية من خلال إعادة تقييم النفقات الجبائية خاصة في بعض القطاعات، وتخفيض الضريبة على الدخل بالنسبة للأجراء والبحث عن التمويل عبر الوسائل المالية… وغيرها مما تضمنته مخرجات المناظرة الوطنية حول الجبايات في أفق سن سياسة ضريبية ومنظومة جبائية عادلة ومنصفة، وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية؛
* وضع تدابير وإجراءات صارمة لفرض الشفافية والحد من كل أشكال الفساد والريع الاقتصاديين وتجريم الثراء غير المشروع من خلال وضع قوانين صارمة لتخليق الحياة العامة…
لكل هذه الاعتبارات، ولكون كل مؤشرات مشروع القانون المالي التعديلي الذي نحن بصدد مناقشته تلوح بسياسة تقشفية في الأفق تذكرنا بالبرامج السيئة الذكر للتقويم الهيكلي وكوارثها الاجتماعية، فإن فريق الاتحاد المغربي للشغل لن يساند مشروع القانون المالي التعديلي هذا.