السيد رئيس الحكومة المحترم؛
السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون.
بداية، أتوجه إليكم باسم فريق الاتحاد المغربي للشغل، المنظمة النقابية الوطنية المتجذرة، التي تدافع عن حقوق الطبقة العاملة المغربية وعموم الفئات الشعبية، لأعبر لكم أننا نسجل بارتياح تخصيص هذه الجلسة العامة الشهرية لمحور “الحوار الاجتماعي، كآلية لتحقيق التنمية ومدخلا لتكريس العدالة الاجتماعية، ذلكم المحور الذي لطالما خصه صاحب الجلالة باهتمام كبير في العديد من خطاباته السامية، كما تعتمده المواثيق الدولية، وتنص عليه اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وهو موضوع ذو راهنية وأهمية بالغة في السياق الاقتصادي والاجتماعي الدقيق، الذي تعيشه بلادنا نتيجة تعاقب الأزمات وارتفاع ملهب للأسعار، سياق يتسم باتساع رقعة الفقر واستنزاف القدرة الشرائية وبالإنهاك الضريبي للطبقة العاملة، وباستفحال البطالة والهشاشة في العمل، وتغول الاقتصاد غير المهيكل، وصعوبة الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، وضعف التغطية الاجتماعية…
وهي قضايا حارقة تندر بوقوع احتقانات اجتماعية، لا يمكن تفاديها إلا بحوار اجتماعي جاد ومسؤول ومنتج.
فلا معنى لحوار اجتماعي لا تستجيب من خلاله الحكومة لأدنى مطالب الحركة النقابية؛
ولا معنى لحوار اجتماعي لا يتم تنزيل مضامينه وأجرأة اتفاقاته؛
ولا معنى لحوار اجتماعي لا يتم من خلاله إشراك الحركة النقابية في كل القضايا كمشروع قانون المالية والاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى والمصيرية.
غداة تقلدكم رئاسة الحكومة عبرتم في أول لقاء لكم مع الاتحاد المغربي للشغل عن صادق عزمكم مأسسة منظومة حقيقة للحوار الاجتماعي تستجيب لمنظور الحركة النقابية وانتظارات الطبقة العاملة وتساهم في التنزيل الأسلم لمعالم الدولة الاجتماعية.
إن الاتحاد المغربي للشغل، المنظمة النقابية التاريخية التي تؤمن بفضيلة الحوار الاجتماعي، وتعتبره مؤسسة إطار لتجنب الهزات الاجتماعية، قد انخرط بقوته الاقتراحية وبتراكم تجاربه على مدى 70 سنة وبكل جدية ومسؤولية وروح وطنية في جولات الحوار الاجتماعي التي توجت باتفاق 30 أبريل 2022.
متفهمين الاكراهات ومستحضرين السياق الوطني والدولي، فقد سجل الاتحاد المغربي للشغل إبانه بارتياح، نتائجه التي تفضلتم بذكرها، وانخرط بتفانيه المعهود وجديته في عدة أوراش تهم التغطية الاجتماعية والقوانين الاجتماعية، إلا أن الحوار الاجتماعي كما سطرناه جميعا يعرف تعثرات وإخفاقات في العديد من القطاعات المهنية، بل حتى على الصعيد الوطني.
فأين نحن من الاتفاق بصون الحريات النقابية؟ وأين نحن بالالتزام بفتح الحوارات القطاعية؟ وبالزيادة العامة في الأجور، وبتخفيض العبء الضريبي على الأجراء.
ففي ثاني مشروع مالي لحكومتكم الموقرة، ها هي وزارة المالية تخل بالالتزام بتخفيض الضريبة على الأجر، وبتطبيق توصيات المناظرة الوطنية للجبايات، غير آخذة بمقترحات الاتحاد المغربي للشغل في هذا الباب، والتي تكتسي طابعا عمليا قابلا للتنفيذ من قبيل تخفيض النسب، والرفع من الحد الأدنى للإعفاء، حيث نسبة 38% المطبقة حاليا مجحفة في حق الأجراء، وهي الأعلى في حوض البحر الأبيض المتوسط، وإقرار إنصاف بين الضريبة على الأجر والضريبة على الدخل التي يتحملها فيها الأجراء %74.
وبنفس خيبة الأمل، ها هي وزارة المالية وبعد تفعيل الزيادة في المعاشات بنسبة 5% بأثر رجعي من فاتح يناير 2020-عبر تأويل خاطئ لقرارات المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي-تقصي فئة المتقاعدين المحالين على التقاعد بعد فاتح يناير 2020.
وفي نفس السياق، إننا لا نفهم تعنت إدارات قطاعات مهنية في فتح الحوار القطاعي، غير مكترثة بتوجيهات الحكومة، ولا بتأثير ذلك على الاستقرار الاجتماعي كما يقع بالشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، بالرغم من مراسلات الاتحاد المغربي للشغل، ومن الاتفاق الإطار بين الإدارة ووزارة الداخلية ووزارة التجهيز ومنظمتنا بصفتها الممثل الأوحد للعاملين بهذا القطاع. ها هو المدير العام للشركة يتعالى ويضرب بعرض الحائط كل التوجيهات ذات الصلة.
أما فيما يهم الحوار القطاعي بالتعليم، فبعد أن كان التعليم حاملا للمشعل ورائدا يحتذى به، للأسف اليوم يعيش الانحباس. فكما تعلمون السيد رئيس الحكومة المحترم، لقد واصل الاتحاد المغربي للشغل الحوار بقطاع التعليم بالنفس الإيجابي ذاته، وبنفس الإرادة الوطنية الصادقة التي تميزنا بها في الحوار المركزي، إلا أن التعامل باستخفاف مع المطالب العادلة لنساء ورجال التعليم، والسعي لرهن مصير الحوار القطاعي بقضايا تتعلق بالحوار المركزي كالرفع من سن تقاعد نساء ورجال التعليم، جعل صبر الحركة النقابية، ينفذ وحبل الثقة يكاد ينقطع، فكيف يمكن للحكومة أن تعمل على تنزيل خارطة الطريق في غياب تحفيز نساء ورجال التعليم وإحساسهم بالغبن.
فالملفات الاجتماعية العالقة، لا يمكن حلها إلا بتظافر جهود الأطراف الثلاثة في إطار حوار اجتماعي حقيقي، يفضي إلى نتائج فعلية، ويستجيب لانتظارات الطبقة العاملة المغربية.
إن السياق الاجتماعي الحالي يفرض لزاما تعاطي الحكومة بكل مسؤولية مع المطالب المشروعة والملحة للحركة النقابية، والعمل على التنزيل السليم لميثاق الحوار الاجتماعي، تفاديا للاحتقان الاجتماعي، وضمانا لربح رهان التحديات المطروحة على بلادنا ولإنجاح الأوراش الكبرى.
وستجدون الاتحاد المغربي للشغل، كما عهدتموه، في الموعد قوة اقتراحية نوعية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.