ونحن نعيش على وقع الأزمة الصحية العالمية وتداعياتها المتسارعة التي لم تستثنى منها بلادنا، لا بد في أن ننوه بما تبذله السلطات العمومية بكل فئاتها من مجهودات كبيرة في إطار الإجراءات الاحترازية المتخذة في هذه المعركة وبالتضحيات الجسام لكل المرابطين في الصفوف الأمامية خاصة الأطقم الصحية المتواجدين في خط التماس مع الجائحة مسترخصين حياتهم أمام الأخطار. أن ننوه كذلك بكل الأجراء والعاملين والعاملات داخل العديد من القطاعات الإنتاجية والخدماتية الحيوية، الساهرين، بكل تفان ونكران الذات على استمرارية المرفق العمومي والنشاط الاقتصادي خدمة للوطن والمواطنين. لهم كلهم من الاتحاد المغربي للشغل أسمى عبارات التقدير والامتنان.
ولا يفوتنا أن نشيد بالمقاربة الاستباقية التي اتخذتها الحكومة تنفيذًا للتعليمات الحكيمةلجلالة الملك بخلق صندوق التضامن لمجابهة جائحة فيروس كورونا المستجد، في خطوة استباقية للتخفيف من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، الوجه الآخر للأزمة الصحية العالميةالراهنة.
وإذ نفتخر بالدعم الشعبي الواسع وروح التضامن العالية التي طبعت هذا الظرف العصيب والمصيري الذي يقتضي التفكير الجماعي وتعبئة كل القوى الحية ببلادنا، فإننا نعبر عن استغرابنا لتهميش ممثلي الطبقة العاملة، وفي مقدمتهم الاتحاد المغربي للشغل، الذي انخرط بكل مكوناته في التعبئة لمواجهة هذه الجائحة من تركيبة “لجنة اليقظة الوطنية لتدبير جائحة كرونا” في حين أنها تشمل ممثلي أرباب العمل، وكأن القرى العاملة، غير معنية بهذه المعركة المصيرية. في الوقت الذي هي مطالبة فيه بمجهودات وتضحيات لحماية المواطنين وتحريك عجلة الاقتصاد في ظروف استثنائية.
إن بلادنا مطالبة بالإبقاء على الإجماع الوطني عبر بإعمال المقاربةالتشاركية استثمارا للثقة وحفاظا على مصداقية ونجاعة الاستراتيجية المتخذة وضمانا لتفاعلية وانخراط جميع المواطنين حتى نتجاوز هذه المرحلة بأقل الأضرار.
السيد رئيس الحكومة
فالإجراءات التي اتخذتها بلادنا لتطويق الجائحة للتخفيف من الآثار الاجتماعية لهذه الازمة على الاقتصاد والأسر من الفئات الهشة، لقيت استحسانا واسعا لدى المواطنين، لكن الوضع يتطلب بدل المزيد من الجهد لتدارك بعض النقائص، وذلك عبر:
- تعزيز الإجراءات الوقائية، وتوسيع دائرة التحاليل المخبرية
- تعزيز حماية الأطقم الصحية ودعمهم وتعويضهم عن الأخطار المهنية
- توسيع بنيات الاستشفاء لتشمل المصحات الخاصة، على غرار مصحات الضمان الاجتماعي، حيث يرابط المتعاقدون المتطوعون الذين ينتظرون منكم السيد رئيس الحكومة إنصافهم عبر ترسيمهم بمؤسستهم الأم الضمان الاجتماعي.
- إعمال الصرامة في تطبيق الإجراءات الوقائية لحماية صحة وسلامة العمال والعاملات للحد من البؤر الوبائية التجارية والصناعية، التي خلفت عشرات المصابين ضمن العمال والعاملات وعائلاتهم.
من جهة أخرى، لا شك أن جزءا مهما من النسيج الاقتصادي قد تضرر من تبعات الأزمة الصحية وخاصة القطاعات المرتبطة بالطلب الخارجي (السياحة، النسيج، السيارات، الطائرات/ النقل الجوي،اللوجستيك الخ) التي أبانت بصفة مبكرة مؤشرات الهشاشة، بالإضافة إلى القطاع غير المهيكل، ولكن هناك مقاولات استمرت في نشاطها، ما يتطلب ضبط معايير الاستحقاق، وربط الاستفادة بعدم تسريح العمال بعد انتهاء مدة الحجر الصحي.
- معالجة الإشكالات التي تحد من استفادة الأجراء من الدعم،وتوسيع التعويض إلى الأجراء غير المصرح بهم والمطرودين، وتعويض مهنيي الصيد البحري من بحارة وعمال وعاملات السمك عن أيام التوقف الماضية.
- تعزيز التنسيق بين القطاعات الحكومية لتيسير الرجوع التدريجيللعمال إلى مراكز عملهم
- تيسير استفادة الفئات الهشة بالعالم القروي من الدعم في ظل غياب الشبابيك البنكية.
- تأمين التحصيل الدراسي لكل فئات التلاميذ هوامش المدن وبالقرى حيث غياب وسائل التواصل (هواتف، لوحات إلكترونية، حواسب) و ضعف تغطية شبكات الاتصالات.
السيد رئيس الحكومة
إذا كان المغرب بكل مكوناته مطالبا بالتضامن والتآزر طبقًا للمقتضيات الدستورية ، فالتفسير الديمقراطي للدستور يقتضي مساهمة كل المستفيدين من الريع والامتيازات الضريبية لسنين طويلة، بقدريتناسب مع الثروات التي راكموها، قبل اللجوء إلى الاقتطاع من أجور المرابطين في الصفوف الأمامية وعلى رأسهم مهنيي الصحة الذين يستحقون الدعم والتحفيز.
إن المرحلة العصيبة التي نمر بها مرحلة فاصلة في تاريخ بلادنا على غرار باقي الأمم. فتأثيراتها الاجتماعية الوخيمة التي يصعب تقدير حدتها قد تزج في الفقر ب 10 مليون فردا. إن الحكومة على المحك،كونها مضطرة للتصرف السريع والمندمج لتحديد حجم المتغيرات التي تطال حياة المواطنين والإجابة عنها. ويبقى السؤال المطروح هو مغرب ما بعد جائحة كرونا؟
إن المرحلة تتطلب منا استخلاص الدروس، وتُسائل اختياراتنا الاقتصادية والاجتماعية، كالرهان على أسطورة العولمة التي عولمت الوباء، وأوصدت الحدود في محاولتها لتطويقه. اختياراتنا التي ظلت تراعي التوازنات الماكرو-اقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية إعمالا لوصفات
المؤسسات المالية رغم نتائجها الكارثية على الدول والشعوب من كوارث إنسانية بعد إغراق الدول بالمديونية وتقليص الميزانيات الاجتماعية.
إن على الدولة أن تستثمر الحنكة التي أبانت عليها في تدبير الأزمة لتسترجع أدوارها كدولة راعية، لحماية المواطنين وبناء اقتصاد وطني مهيكل، مبني على أسس تضمن قدرًا من الاستقلال الاقتصادي والمالي، وتوفير الأمن الغذائي والبيئي وإقرار حقوقالعمال، والرفع من الاستثمار العمومي في البحث العلمي وفي القطاعاتالاجتماعية،وعلى رأسها التعليم وقطاع الصحة الذي أثبتت هذه الجائحة ضرورة الإقرار بخصوصيته، عملا بتوصيات المناظرة الثانية للصحة، ليوليوز 2013، بناءً على مذكرة الاتحاد المغربي للشغل.
وطبعا، توسيع الحماية الاجتماعية الشاملة لكافة الفئات واستدامتها وإرساء مقومات العدالة الاجتماعية. تلكم الأدوار للدولة التي ما فتئ الاتحاد يعبر عنها في مواقفه المغربي للشغل يناضل من أجلها لإرساء مجتمع عادل ومتضامن.
وفي النهاية فالدولة الراعية هي القادرة على إنقاذ حياة الأشخاص قبل إنقاذ الاقتصاد.