آخر الأخبار
الرئيسية » المستجدات » فاتح ماي 2013‬

فاتح ماي 2013‬

‫خـطــاب الأمين العام
للاتحاد المغربي للشغل
فاتح ماي 2013‬

 

بســم الله الـرحـمان الـرحيم

أخواتي ، إخواني ،
نلتقي في مثل هذا اليوم من كل عام لنحتفل مع كل الكادحين عبر العالم بعيد الشغل، ولنبرز فيه قوة الطبقة التي لا تقهر، وتضامنها، ووحدة صفها التي لم تنل منها مختلف الأطماع والمؤامرات… عيد تعلو فيه أيادي الاحتجاج، وتمتزج فيه أصوات الرفض والتحدي… مناسبة نجهر فيها بمطالبنا، ونعبر خلالها، بغضب، على ما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا، وما يطالنا من حيف وحرمان وتهميش.
عيد نجدد فيه العزم على مواصلة النضال من أجل مجتمع بلا قيود، خال من الاستغلال والقهر والتسلط. مجتمع الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعيـة . سياسة التقشف وانعكاساتها الخطيرة على أوضاع الطبقة العاملة
تتميز احتفالات فاتح ماي هذه السنة بتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعيـة ببلادنا، نتيجـة استمرار نفس السياسات التي أدت الى تعميق التفاوتات والتمايزات الاجتماعية والطبقية، والى تعريض التماسك المجتمعي للتفكيك، وإلى توسيع الهوة بين كمشة من المستفيدين من خيرات البلاد وملايين الفقراء والمحرومين.
بيد أن ما يميز الحكومـة الحالية، هو عزمها وإلحاحها على العودة بالمغرب إلى عهد تطبيق “برامج التقويم الهيكلي” السيئة الذكر لسنوات الثمانينات، حيث أدت الطبقة العاملة المغربية الثمن غاليا من جرائها، ها هي تعيد فرضها من جديد، بقوة الحديد والنار، عبر الإقدام على إجراءات لا شعبية تتمثل أساسا في المحاولات الملتوية لإلغاء صندوق المقاصة، وتفكيك أنظمة التقاعد، والتخلي عن الاستثمارات العمومية، والزيادة في الضرائب، وارتفاع مهول في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وتجميد الأجور وضرب القدرة الشرائية المتدهورة.
هذا ناهيكم عن انعكاس السياسات المُتّبعة على العمال والعاملات من جراء إغلاق المعامل، وتقليص ساعات العمل، وتسريح العمال، وارتفاع نسبة البطالة.
وعوض مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه المغرب، ومعالجـة الفوارق الاجتماعية التي تزداد اتساعا وعمقـا، انحازت الحكومة مرة أخرى إلى جانب المحظوظين والأثرياء وأرباب العمل، بالمحافظة على نفس الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والطبقية، حيث رفضت إقرار ضريبة على الثروة، وسـن إصلاح جبائي عادل ومتوازن يضع حدا للتملص والغش الضريبي، وللإعفاءات التي تمنح لقطاعات لا تؤدي أية وظيفة اجتماعية أو تنمويـة.. هدايا غير مبررة تقدر بعشرات الملايير من الدراهم، تحرم منها خزينة الدولة…
يا له من عطاء سخي لفائدة أصحاب المصالح، في الوقت الذي يُلجأ فيه للتقشف على حساب العاملات والعمال والموظفين والجماهير الشعبية… ؟ فأين نحن من القانون المالي الاجتماعي الذي كانوا يتحدثون عنه؟.
الهجوم على الحريات النقابيـة والحقوق العمالية
لتمرير مخططاتها التصفويـة والتراجعية خدمة لمصالح الرأسمال المتوحش، واصلت الحكومة هجومها العنيف على الحرية والحق النقابي، وقادت حملة مسعورة على حق الإضراب الذي يضمنه الدستور المغربي، وتحميه جميع المواثيق والمعاهدات الصادرة عن منظمة العمل الدولية.
ويتعرض هذا الحق العمالي للتنكر، وأصبحت ممارسته عرضة للقمع والردع. سواء بالاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل، أو باللجوء إلى الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي.
وقد، حظي الاتحاد المغربي للشغـل بنصيبه الأوفر من هذا الهجوم المعادي، حيث تعرض مسؤولونا ومناضلونا في مختلف القطاعات والجهات إلى ضغوطات لا تعـد ولا تحصــى، كالملاحقـة والطرد، والتنقيل من أماكن العمل، لمجرد تأسيس مكتب نقابي أو تقديم ملف مطلبي، أوللمطالبة بتطبيق بنود مدونة الشغل. ويتمثل أحد أبشع أشكال الانتهاكات الجسيمة للحق النقابي، في اعتقال القياديين النقابيين في قطاع الموانئ الأخوين سعيد الحيرش، ومحمد الشمشاطي، اللذين فبركت ولفقت لهما تُهم واهية وخطيرة… وهل من باب الصدف أن يتم استدعاء الكاتبين العامين للمثول أمام محكمة الاستئناف يوم 30 أبريل 2013، أي عشية الاحتفال بعيد الشغيلة؟!. يا لها من هدية تقدمها السلطات العمومية للطبقة العاملة المغربية بمناسبة عيدها الأممي.
فعن أي إصلاحات يتحدثون؟ وعلاقات الشغل بالمغرب لا زالت تتميز بالفوضى “المنظمة”، والدولة تستمر في دفن رأسها في الرمال، ولا ترفعه إلا لاضطهاد وقمع مسؤولي ومناضلي الاتحاد، أو للتضامن مع أرباب العمل المطالبين بالمزيد من المرونة والهشاشة، أو بالحصول على المزيد من الامتيازات، وتكديس الأرباح على حساب بؤس وشقاء الجماهير العمالية.
وبمقابل هذا السخاء، لم تجد بعد مدونة الشغل طريقها إلى التطبيق في مختلف قطاعات الإنتاج، وتتعرض الحقوق الأساسية للعمال لمزيد من الانتهاك، فلا زال المشغلون يتهربون من تمتيع العمال والعاملات بالحد الأدنى للأجور، والتصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية. وفي ظل هذه الوضعية، يحرم ملايين العمال من حقهم في المعاش، والتعويضات العائلية، والتغطية الصحية. فعدد المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لا يتجاوز 2,7 مليون “حسب الإحصائيات الإدارية” من أصل 5.5 مليون أجير، ومليون أجير هم فقط المصرح بهم 12/12 شهرا، أي أن 1,7مليون أجير لم يتم التصريح بكل أيام عملهم، ويصرح ب45 في المائة من الأجراء بأقل من الحد الأدنى للأجر، وعشرات الآلاف من المأجورين لا يتقاضون أي معاش لأنهم لم يستوفوا الشرط المجحف المتمثل في 3240 يوم تصريح، إنها كارثة اجتماعية تطول المأجورين؛ فمن بين 55 ألف أجير الذين يصلون لسن التقاعد سنويا، حوالي 17 ألف فقط هم الذين يتقاضون معاشهم أي أقل من الثلث فيما لا يستفيد الثلثان من أي معاش، الشيء الذي يفضي إلى رمي مئات الآلاف من المأجورين إلى الفقر والفاقة، إنه التهريب الاجتماعي بعينيه .
التفاوض الجماعي حق أساسي لا يمكن التفريط فيه
وفي الوقت الذي كنا ننتظر أن تدخل الحكومة في سلسلة من الحوارات البناءة مع منظمتنا، من أجل وضع حد للفوضى العارمة التي تطبع عالم الشغل، هاهي الحكومة تدشن سنة بيضاء للحوار الاجتماعي، وهو ما ينذر بإجهاز خطير على الحق في الحوار الاجتماعي.
وقد أكدت منظمتنا مطالبتها بمعالجة الملفات ذات الأولوية، بفتح حوار حقيقي حول ملفات وقضايا مضبوطة تجتمع فيه أطراف مسؤولة، بهدف الوصول إلى تعاقدات ملزمة تضمن مصالح الطبقة العاملة، وتحد من وطأة الأزمة على أوضاعها.
فعن أي حوار تتحدث الحكومة حين يصبح هاجسها الوحيد هو تمرير مشاريع قوانين تراجعية، تجهز على حقوق العمال المعنوية والمادية، وتحرمهم من أهم وسيلة للدفاع عنها.
وعن أي بُعد اجتماعي تتحدث وقد ضربت القدرة الشرائية للكادحين، عبر الزيادة في ثمن المحروقات، ومواد الاستهلاك، وأي إصلاح جبائي تهدف إليه وقد طالت أياديها جيوب الطبقة المتوسطة بفرض ضريبة جديدة على الأجور قبل أن تعقد مناظرة وطنية للإصلاح الضريبي.
كما تنكرت الحكومة لاتفاق 26 أبريل 2011 المبرم بشكل توافقي بين الأطراف الثلاثة في عهد الحكومة السابقة، وترفض تنفيذ ما تبقى من بنوده. وتمادت في ذلك بالامتناع عن إجراء أي حوار أو تفاوض مع الحركة النقابية، متذرعة بضغط وإكراهات الأزمة الاقتصادية… فأصبح هاجسها الوحيد تمرير مشاريع ومخططات إلغاء صندوق المقاصة، وتفكيك أنظمة التقاعد، وتمرير قانوني الإضراب والنقابات، ومشروع مرسوم توسيع دائرة العمل الهش وضرب الاستقرار في العمل.
لكل هذه الأسباب قاطع الاتحاد المغربي للشغل الاجتماع الذي كان مقررا يوم 27 أبريل 2013 مع رئيس الحكومة، ورفض تزكية أي حوار شكلي .
وبهذه المناسبة، فإن الاتحاد المغربي للشغل، إذ يندد بقوة بالمواقف المعادية للطبقة العاملة، والمنافية للدستور ولكل الأعراف والمواثيق الدولية التي تنظم وتضبط علاقات الشغل، فانه يجدد رفضه للحوارات المغشوشة والصورية، ويطالب بالإسراع بإجراء مفاوضات جادة ومسؤولة تفضي إلى اتفاقات جماعية ملزمة لمختلف الأطراف المتعاقدة. كما يعاهد الاتحاد الطبقة العاملة المغربية والجماهير الشعبية، على مواصلة الكفاح دفاعا عن الحرية النقابية، وحرية ممارسة حق الإضراب، والحق في الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي، والاستمرار في التعبئة حتى إلغاء أبشع القوانين، الفصل 288.
أخواتي، اخواني،
أمام هذا الاحتقان الاجتماعي، ورغم الجـو المشحون بالعداء للطبقة العاملة، ورغم شراسة وتنوع القمع، تمكنت الطبقة العاملة المغربية من وشـم السنة الجديدة بنضالات مجيدة، ومن مواجهة مختلف الأعاصير والتحديات بشجاعـة وحكمة وإصرار قيادتها، التي عرفت كيف تصون هوية الاتحاد وأصالته واستقلاليته، وتحمي مبادئه، وتحافظ على وحدة الصف والمصير، وتوفر الشروط الملائمة ليصبح أكثر قوة وتنوعا، وذلك بفضل برامج التنظيم والتكوين التي لم تنقطع طيلة السنة. حيث أولى الاتحاد مكانة هامة للتنظيم النقابي بمراجعته، وتقويته، وتجديد هياكله جغرافيا وقطاعيا. كما لم تتوقف أنشطة التكوين النقابي والتثقيف العمالي على مدار السنة.
إنها الشروط اللازمة لتأهيل العنصر البشري المسؤول والمناضل ليتوفر على درجات عالية من الثقافة والوعي والاستعداد لمواجهة كل الصعاب والتحديات التي تواجه الطبقة العاملة المغربية.
وبهذه المناسبة أريد أن أرحب بعشرات القطاعات المهنية، وأهنئ مئات العمال والعاملات الذين التحقوا بالاتحاد المغربي للشغل، لتعزيز الصفوف إيمانا منهم بأن العمل النقابي المستقل المتجسد في الاتحاد المغربي للشغل، هو السبيل الوحيد للدفاع عن حقوقهم وصون كرامتهم.
فاتح ماي، يوم التضامن العمالي
إن المساهمة الفعالة للاتحاد المغربي للشغل، في النشاط النقابي الدولي، جعلته يحظى بإشعاع كبير، مافتئت منظمتنا تعمل عبره على تنمية وتمتين أواصر التضامن بين العمال مغاربيا وعربيا وأفريقيا وعالميا، باعتبارها فصيلا أساسيا من الحركة النقابية الدولية الحرة والمستقلة، المناهضة لليبيرالية المتوحشة، والمدافعة عن السلام.
وبهذه المناسبة العمالية، فإننا نؤكد من جديد التزام الاتحاد المغربي للشغل، واستعداده للدفاع عن الوحدة الترابية لبلدنا، واسترجاع سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية، والكفاح من أجل حماية صحرائنا المغربية من مختلف المناورات التي تحاك ضد السيادة الوطنية.
ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نجدد تضامننا مع عمال وشعب فلسطين البطل، ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك السريع لإنهاء الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
كما نعبر، في هذه الظرفية الحساسة، عن تضامننا مع عمال وشعوب مختلف الدول التي تناضل ضد الاضطهاد والاستبداد.
أخواتي، إخواني،
لا خيار لنا، سوى التشبث بمطالبنا، والتمسك بأهدافنا، ومواصلة التعبئة والتنظيم، وذلك لمواجهة الهجوم المعادي لمصالح الطبقة العاملة المغربية.
ومن جديد نعاهدكم أننا لن نخلف الموعد، بل سنبقى أوفياء لهوية ومبادئ وأهداف الاتحاد المغربي للشغل، حتى تتمكن الطبقة العاملة المغربية من تحقيق كامل غاياتها، ونجدد التزامنا بخدمة مصالح العمال والجماهير الشعبية وصيانة مكتسباتها، ومواصلة النضال حتى تحقيق الديموقراطية الحقة، والعدالة الاجتماعية، وازدهار الوطن وتقدمه، وضمان الحياة الكريمة لعمال وشعب المغرب.
عاشت الطبقة العاملة المغربية
عاش الاتحاد المغربي للشغل
عــاش المغـــرب.