النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب ترفض تبخيس عمل هيئة التفتيش وتطالب بإعادة هيكلة المفتشية العامة للوزارة بما يضمن الانتساب الإداري لهيئة التفتيش إليها تحقيقا لاستقلاليتها الوظيفية وتتشبث بالوظيفة العمومية النظامية الضامنة للمرفق والخدمة العموميتين.
عقد المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب يوم الاثنين 30 ماي 2022 اجتماعا عن بعد استمر إلى ساعة متأخرة من الليل؛ خصصه لتدارس ما يتم تداوله إعلاميا وداخل المجموعات التواصلية المهنية للمفتشات والمفتشين من تسريبات تنسب إلى جلسات اللجنة التقنية، التي تضم ممثلي الوزارة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلا، لإعداد “مشروع النظام الأساسي الجديد”. وقد اتخذت هذه التسريبات شكل قذائف ملتهبة تسعر نار “الفتنة الطائفية” بين مكونات الشغيلة التعليمية الواحدة، وتشتت انتباهها عن النقاش الحقيقي الذي ينبغي أن يسود في صفوفها تحصينا للمكتسبات وذودا عن المرفق العمومي.
إن المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب وهو يتابع فصول الحوار المركزي ويستقرئ التسريبات المحيطة به، شكلا ومضمونا، وما رافقها من ردود أفعال وتداعيات، وبغض النظر عن مدى صحة هذه التسريبات، يغتنم هذه الفرصة للتعبير عما يلي:
- إن قيمة أي قانون لا تقاس بكمية ما يحتويه من عبارات مستمدة من القاموس الاصطلاحي لـما يسمى ” التدبير العمومي الجديد” أو غيره؛ بقدر ما تقاس بالحجم الذي يوفره من ضمانات نظامية قانونية ومؤسساتية تعزز وتحمي الاستقرار المهني والمادي والنفسي لنساء ورجال التعليم، ويوفر لهم الإطار القانوني والمؤسساتي ليتفرغوا لأداء واجبهم المهني على أحسن وجه، وهو الأمر الذي يسري على المفتشين مثلما يسري على غيرهم من فئات الشغيلة التعليمية؛
- إن الدراسات الرصينة التي تناولت أزمة المنظومة التعليمية المغربية لم تشر، لا من قريب ولا من بعيد، إلى وجود علاقة ذات دلالة بين الجوانب العديدة لهذه الأزمة وبين الوظيفة العمومية النظامية، التي شكلت الأساس القانوني الوحيد للتوظيف وتأطير الحياة المهنية لمئات الآلاف من نساء ورجال التعليم منذ استقلال البلاد. وبالتالي، فإن سعي الحكومة إلى محو “النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية” الحالي لصالح “”نظام أساسي لمهن التربية والتكوين” يفتقد إلى أي تفسير علمي، ولا مبرر له سوى الرغبة في التصفية النهائية للمكتسبات الاجتماعية والمهنية النظامية لنساء ورجال التعليم باعتبارهم موظفين عموميين.
- إننا إذ نقدر حجم الغبن والظلم واللامساواة الذي طال فئات عريضة من الشغيلة التعليمية، جراء المنحى التراجعي والتقشفي الذي نهجته الحكومات المتعاقبة، وجراء التعديلات الترقيعية التي كانت تدخلها على النظام الأساسي بين الفينة والأخرى؛ نسجل أن هذه الأوضاع تولدت أساسا نتيجة رفض تلك الحكومات، بوعي وتعنت كبيرين، لتطبيق الحلول الإيجابية الملائمة، وكأنها بذلك كانت تستهدف توليد ومراكمة الاحتقان والتطاحن والتشرذم الفئوي لتبرير ما تقوم به اليوم من عملية وأد للنظام الأساسي برمته تحت يافطة معالجة الاختلالات.
- إننا إذ نعبر عن دعمنا الواضح والمطلق لمطالب كل الفئات والمجموعات المتضررة من السياسة العرجاء المشار إليها أعلاه، نشيد بالمجهودات التي تقوم بها القيادات الوطنية للنقابات الأكثر تمثيلا وعلى رأسها قيادة جامعتنا الوطنية للتعليم – UMT- من أجل الاستجابة العادلة لهذه المطالب، ونعبر في الوقت ذاته عن رفضنا للمقاربة الحكومية المستمدة من مبادئ الطب القديم والتي مفادها: خير العلاج البتر.
- إن معالجة اختلالات الأوضاع الناتجة عن النهج غير السليم للوزارة الوصية ومعها الحكومة تكمن في التعديل الإيجابي للنظام الأساسي بما يستجيب للتطلعات ويعالج جوهر تلك الاختلالات، بدل رميه مثلما ” ترمي بلهاء جنينها مع ماء غسله”.
- إن تشبثنا المشروع بالمكتسبات النظامية الواردة في النظام الأساسي الحالي لموظفي وزارة التربية الوطنية المرتكز على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958؛ لا ينبع من منطلقات فئوية أنانية ضيقة، بل من صميم إيماننا العميق بألا حظوظ لوجود قطاع عمومي للتربية والتكوين حاضن وضامن لجودة ومجانية خدمات التربية والتعليم بعيدا عن وظيفة عمومية نظامية.
- إن ما يتم تسريبه بشكل غير رسمي من تبخيس وتحقير لأدوار المفتش ولهيئة التفتيش مجانب للعلم ولخلاصات الدراسات والأبحاث التربوية والأكاديمية، بل يناقض التجارب العملية والميدانية التي تؤكد جميعها الأثر الإيجابي الملموس لتدخلات أطر المراقبة والتفتيش، بالرغم من إكراهات العمل وظروفه المجحفة، في تجويد وتحسين العمل الإداري والتربوي بالمؤسسات التعليمية وتجنيبها مخاطر الوقوع في المنزلقات التدبيرية والمالية.
- إن السعي لتقزيم أدوار التفتيش التربوي تحت مسميات متعددة ما هو إلا استمرار لمسلسل مدروس بعناية غايته التهرب من ربط المسؤولية بالمحاسبة، بدأ بتفكيك وتهميش بنيات التفتيش مركزيا وجهويا ومحليا، وهو الوضع الذي أنتج مفتشية عامة عاجزة عن أداء أدوراها الرقابية والتوجيهية ومنفصلة عمن يفترض أنهم فاعلوها الميدانيون على طول تراب المملكة.
- إن استمرار فصل المفتشين عن المفتشية العامة، بما يعنيه من ضرب للاستقلالية الوظيفية، وجعلهم تحت وصاية المدبرين جهويا وإقليميا يعكس تخوفا غير مبرر من صلاحيات وأدوار هيئة التفتيش المتمثلة في الكشف عن اختلالات المنظومة من جهة واختلالات التدبير الإداري والمالي والتربوي مركزيا وجهويا ومحليا من جهة أخرى. وهذا ما يفند كل ادعاءات الحكامة والشفافية وتخليق المرفق العمومي.
- إن تشبثنا بتسمية “مفتش” باعتبارها تسمية قانونية ليس أمرا شكليا، بقدر ما هو سعي إلى الحفاظ على الجوهر المتمثل في المهام والأدوار والصلاحيات المنصوص عليها في النظام الأساسي الحالي، من تفتيش ومراقبة وتأطير وإشراف وبحث تربويين.
- نعتبر أن عملية تقييم الأفراد والبنيات الإدارية والتربوية هي من صميم اختصاصات ومهام هيئة التفتيش والمراقبة التربوية، ونرفض بشدة ما يتم تسريبه بخصوص إقصاء الهيئة من ممارسة هذا الاختصاص وإسناده إلى أطراف أخرى منها من هو حديث العهد ولازال في طور التجريب؛
- إن فكرة منح جمعيات آباء وأولياء التلاميذ دورا معينا في تقييم أداء المدرسين والمؤسسات، المستوحاة من فكرة قياس رضى الزبون في عالم السلع والمقاولة، بقدر ما تنم عن جهل حقيقي بالشأن التربوي والبيداغوجي، وبواقعنا المجتمعي الملموس وبتعقيداته السوسيو ثقافية التي تتحكم في ولاءات هذه الكيانات، هي تعبير عن نزعة انتقائية تعمل على إسقاط تجارب منظومات أخرى على تجربتنا المغربية، ببتر تلك التجارب عن سياقها وشروطها وعناصرها داخل منظوماتها الأصلية.
- إننا نعتبر، وبكل الوضوح المطلوب، أن تطبيق ما يسمى ” تقييم الأداء” بناء على “المردودية” المزعومة و” نتائج التلاميذ” لتقويم المدرس يعد أمرا مخالفا لطبيعة الخدمة العمومية من جهة، ولطبيعة الخدمة التربوية والتعليمية من جهة ثانية؛ بحيث إن الواقع يثبت عجز هذه المؤشرات عن إعطاء صورة موضوعية ودقيقة لتقييم عمل المدرسين، في ظل تباين المحيط السوسيو-اقتصادي للتلاميذ وللمؤسسات التعليمية وتفاوت أوضاعها المادية وتجهيزاتها وبنياتها، وفي ظل ما يعرفه نظام التقويم التربوي للمتعلم من اختلالات؛
- إن تقييم “عمل” المدرسين وباقي الأطر التربوية من طرف المفتش التخصصي أو مفتش المجال أمر لا غنى عنه باعتباره تقييما مهنيا متخصصا ومتجردا من أية خلفيات غير مهنية أو تربوية. إنه ضمانة أكيدة لتكافؤ الفرص ولتشجيع الكفاءة والتميز في صفوف الشغيلة التعليمية؛
- حملت التسريبات فكرة ربط الأجر، أو جزء منه، بـ “الاستحقاق” وبـ “تقييم الأداء” و”المردودية” بدعوى التحفيز، وربط الترقية حصريا “بالتقييم”؛ مقابل الإقبار التام لأنماط الترقي المكتسبة المعروفة مثل الترقية بالاختيار وامتحان الكفاءة المهنية (بعد ما تم الإجهاز على الترقي بالشهادة في وقت سابق). وهذه الفكرة هي أوضح تعبير عن الرهانات الحقيقية من وراء السعي نحو تذويب النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ومحوه لصالح “نظام أساسي لمهن التربية والتكوين”.
- إن كل مسعى يريد تغليب الحسابات المالية الساعية إلى التحكم في كثلة الأجور بدل البحث عن الحلول الوطنية الحقيقية للمشاكل التي تعترض منظومة التربية والتكوين، مآله الفشل وإعادة إنتاج المزيد من التعثرات والتشوهات التي يكون ضحيتها الأولى أبناء وبنات الوطن، بل الوطن نفسه.
إن المكتب الوطني للنقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم إذ يعبر عن مواقفه أعلاه إزاء هذه التسريبات، يجدد ثقته في القيادة الوطنية للجامعة الوطنية للتعليم – UMT – واحترامه لصلاحياتها في مباشرة وتدبير الحوار المركزي، ويدعو إلى إعطاء هذا النقاش المصيري كامل أبعاده العمومية والدمقراطية داخل الحركة النقابية وضمن صفوف الشغيلة التعليمية، ويهيب بعموم المفتشات والمفتشين إلى المساهمة والانخراط فيه بروح وحدوية إلى جانب جميع الفئات، لإحباط كل محاولات الإجهاز على المكتسبات التاريخية للوظيفة والمدرسة العموميتين. كما يتوجه بروح صادقة إلى جميع التنظيميات النقابية والمهنية للمفتشات والمفتشين بتغليب منطق التعاون والوحدة لربح رهان الدفاع عن الحقوق وصيانة المكتسبات.
دامت النقابة الوطنية لمفتشات ومفتشي التعليم بالمغرب
نقابة مناضلة وحدوية ديمقراطية مستقلة.
المكتب الوطني
الكاتب الوطني: عادل بهوش