” بســــم الله الرحمن الرحيـــــم “
أخواتي، إخواني،
بكل اعتزاز وافتخار، تخلد الطبقة العاملة المغربية بقيادة الاتحاد المغربي للشغل، فاتح ماي 2021، عيد الشغل، العيد الأممي لوحدة الطبقة العاملة، عيد العمال المُجسّد للكفاح والتضامن والدفاع عن الحقوق والمكتسبات، تخلده الطبقة العاملة والعالم لا زال يرزح تحت تأثير التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لفيروس كورونا المستجد.
أخواتي، إخواني تعودنا أن نلتقي في مسيرات عمالية حاشدة، تظهر فيها قوة الطبقة العاملة ووحدتها وتضامنها تحت قيادة الاتحاد المغربي للشغل، ووفائها لهويتها الأصيلة ولمبادئ وقيم الحركة النقابية المغربية الحرة والمستقلة، مسيرات تجهر فيها الطبقة العاملة بمطالبها بتحسين أوضاعها المادية والمهنية. ويدوي فيها العمال والعاملات بالشعارات المنددة بالحيف والظلم والتمييز والتضييق على الحريات النقابية.
إلا أننا وللعام الثاني على التوالي، وبسبب الوباء، وبكل مسؤولية ومواطنة تغلّب المصلحة العامة، سنخلد هذه الذكرى عن بُعد بالتناظر المرئي، التزاما منا بالضوابط الصحية، وحفاظا على سلامة وصحة العمال والعاملات.
وككل سنة فإن فاتح ماي هو مناسبة لاستحضار نضالاتنا ومواقفنا وارتباطنا العضوي والمبدئي بالطبقة العاملة، ومحطة أيضا للتفكير في المستقبل الذي ينتظرنا بحكم التغيرات التي يشهدها العالم بسبب تفشي الوباء وانعكاس ذلك على بلادنا وعلى الأجراء عموما، وقد اخترنا كشعار لهذه السنة:
“جميعا من أجل التصدي لمسلسل التراجعات وفرض احترام الحق النقابي”
أخواتي، إخواني،
في الوقت الذي نسجل باعتزاز نجاح الحملة الوطنية للتلقيح، والتي ستساهم لا محالة في التخفيف من تداعيات الأزمة الوبائية، واستعادة بلادنا لعافيتها، رغم كل المجهودات المبذولة في هذا المجال، يواصل الوباء تعميق أزمة ومأساة العاملات والعمال الذين وجدوا أنفسهم محرومين من مصادر رزقهم، ومحرومين من الدعم التضامني المخصص للجائحة، الكفيل بالحفاظ على كرامتهم، كما وجدوا أنفسهم عُرضة لممارسات استغلالية لبعض أرباب العمل، الذين تمادوا في التسريحات الجماعية والفردية التي تجاوزت 600 ألف منصب قار، باعتراف الحكومة نفسها، وأكثر من مليون ونصف منصب شغل إذا ما احتسبنا القطاع الغير المهيكل، والأدهى أن بعض المشغلين اتخذوا من الجائحة ذريعة لتصفية الحساب مع المناضلين والنقابيين والعمال، بطردهم وتسريحهم وتقليص عددهم في خرق سافر لكل القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، يحدث هذا والسلطات العمومية عاجزة عن وقف مسلسل هذه الخروقات دون تدخل للردع أو الإنصاف ورد الاعتبار، ودون أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان احترام مدونة الشغل.
ففي قطاعات استراتيجية تم طرد النقابيين بمجرد تأسيس مكاتبهم النقابية، كما حصل مؤخرا في شركة متعددة الجنسيات، التي لم تتوان في طرد كافة أعضاء المكتب النقابي بعد أن تم تخييرهم بين الاستقالة من المكتب النقابي أو الطرد. وشركات أخرى تعتبر نفسها فوق القانون، ترفض تنفيذ أحكام قضائية نهائية بإرجاع مطرودين تعسفا لمجرد ممارسة حقهم النقابي.
لقد أبانت الحكومة عن ضعفها وقصورها وإجحافها تجاه الطبقة العاملة وتخندقها بجانب الباطرونا هذه الحكومة التي استغلت الظرفية الوبائية لمحاولة تمرير مجموعة من القوانين المجحفة تُجاه الطبقة العاملة، بهدف الإجهاز على المكتسبات الاجتماعية والحقوق التاريخية للطبقة العاملة وعلى رأسها الحق في ممارسة الإضراب، الذي يضمنه الدستور والمواثيق الدولية، وكذا التضييق على الحرية النقابية التي انتزعها الاتحاد المغربي للشغل بعد صراع مرير وكفاح طويل وتضحيات جسام بدماء الشهداء والمناضلين
وقد أكد الاتحاد المغربي للشغل، في مناسبات عديدة، أن الأزمة الوبائية لا يمكن أن تكون ذريعة للإجهاز على حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة، هذه المكتسبات التي حققتها بفضل نضالاتها وتضحياتها التاريخية، وأن الحكومة هي المسؤولة عن سياساتها الاقتصادية، التي جعلت البلاد لا تحقق النمو المنشود وتسجل تأخرا على مستوى المؤشرات التنموية، ما ساهم في تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية المتفاقمة بعيدا عن تحقيق المساواة والكرامة والتوزيع العادل للثروات.
وإذ يجدد الاتحاد المغربي للشغل تضامنه مع كل العاملات والعمال ضحايا الطرد التعسفي، وكل الموقوفين عن عملهم، في كل مواقعهم الانتاجية والخدماتية والفلاحية، فإنه يؤكد التزامه بالوقوف بجانبهم والتضامن معهم ومؤازرتهم من أجل استرجاع حقوقهم. ويجدد رفضه استغلال الجائحة واتخاذها مطية لضرب الحريات النقابية والاعتداء على الحقوق والمكتسبات.
أخواتي، إخواني،
إن الوضع العام للطبقة العاملة يعرف تدهورا مستمرا جراء ضرب القدرة الشرائية للمأجورين وهو ما نبهنا له مرارا، كما يتميز باستمرار التضييق على الحريات النقابية وعدم تطبيق مدونة الشغل، والاجهاز على الخدمات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم بمحاولات الإجهاز على المدرسة العمومية، والصحة والسكن، وحرمان عدد من الأجراء من التغطية الاجتماعية.
ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه من هذه الحكومة، أن تستفيد من دروس الجائحة، وأن تتخذ مسافة من توجيهات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية، فقد تمادت في خنوعها وخضوعها بتطبيق وأجرأة الوصفات الجاهزة لهذه المؤسسات التي أوصلت البلاد إلى الباب المسدود، فقد أدخلت الهشاشة حتى في قطاع التعليم، القطاع العمومي بامتياز، وهي ماضية في تفكيك الوظيفة العمومية، وفي تسليع الصحة لفائدة الخواص، معتبرة هذه القطاعات عبئا ثقيلا وكلفة اجتماعية واقتصادية، بدل اعتبارها قطاعات وجب الاستثمار فيها لصالح المواطن المغربي.
وبدل فتح حوار اجتماعي وطني مسؤول وبناء يفضي إلى حلول ناجعة لتجاوز الأمة البنيوية التي تشهدها البلاد، فقد أبت الحكومة إلا أن تجمد الحوار الاجتماعي، حيث تغاضى رئيس الحكومة عن عقد جلسة الحوار الاجتماعي لدورة أبريل 2021، تاركا عددا من الملفات الحارقة والمستعجلة تتفاقم ، مما أدى إلى الاحتقان الاجتماعي وتنامي الحركات الاجتماعية التي لم تتعاطى الحكومة معها سوى بالقمع والاعتقالات ، التي طالت مؤخرا بعض الفئات الاجتماعية ، كالأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، ورجال ونساء قطاع الصحة وغيرهم، في خرق سافر لحق التظاهر السلمي المضمون دستوريا.
ألم يكن من الأولى للحكومة أن تشرك الحركة النقابية عبر الحوارات القطاعية والوطنية لإيجاد حلول منصفة للقضايا المطروحة، سواء تعلق الأمر بالملفات القطاعية أو بقضايا التشغيل أو بقضايا تهم فئات عريضة من الشعب المغربي؟ من قبيل توسيع الحماية الاجتماعية.
وإذ يشيد الاتحاد المغربي للشغل بالمبادرة الملكية الرامية إلى إرساء التغطية الاجتماعية الشاملة، والتي من شأنها خلق نوع من التماسك الاجتماعي بين عموم المواطنين، فإنه يدعو إلى ضرورة إشراك الفرقاء الاجتماعيين في تنزيل هذا الورش ضمانا لنجاحه.
أخواتي، إخواني،
تجسيدا لروح التضامن التي كرسها عبر تاريخه المجيد في علاقاته مع كل نقابات العالم والتي جعلته يحظى بتقدير خاص في كل المنتديات الدولية، يغتنم الاتحاد المغربي للشغل مناسبة فاتح ماي، ليعبر عن مساندته لإخواننا عمال وشعب فلسطين المكافح ضد الاحتلال الصهيوني وكل عمال العالم المضطهدين ومع كل القوى المناضلة من أجل التحرر.
وبنفس الحماس، يحيي الاتحاد المغربي للشغل كل المرابطين من أجل حماية الوطن، تحية تقدير للواقفين في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء، وتحية تقدير وإشادة بقواتنا المسلحة الملكية الساهرة على أمن أقاليمنا الصحراوية، والمتفانية في تحصين حدودنا، وهي مناسبة لنجدد اعتزازنا بالنجاحات التي حققتها قضيتنا الوطنية، على المستوى الدولي بالاعترافات المتتالية بمغربية صحرائنا، ولنؤكد التزامنا الدائم واللامشروط بالدفاع عن وحدتنا الترابية الغالية، وعودة السليبتين سبتة ومليلية إلى السيادة الوطنية.
وفي الختام يهنئ الاتحاد المغربي للشغل كل الاتحادات الجهوية والمحلية والجامعات المهنية والنقابات الوطنية، على مجهوداتها التنظيمية والتكوينية، التي جعلت منها رغم الجائحة فضاءات للنضال والدفاع عن حقوق ومكتسبات عموم المأجورين، ويهيب بالجميع إلى رفع وثيرة التعبئة الشاملة من أجل كسب الرهانات المقبلة.
والسلام عليكم ورحمة الله
عــــاش التضامن العمالي
عـــاش الاتحاد المغربي للشغل
عــاش المغرب