السيد الرئيس؛
السيد رئيس الحكومة؛
زميلاتي زملائي المستشارين؛
لا شك أن القطاع البنكي الذي استطاع أن يراكم تجربة ورصيدا مهمين، سواء على المستوى المهني بتطوير بنياته واستيعاب التقنيات التكنولوجية الجديدة، أو على مستوى دينامية حضوره في الدورة الإنتاجية، يبقى قطب الرحى في الاقتصاد الوطني.
وإذ لا يمكن إنكار مساهمة قطاع البنوك والمصارف المغربية في تمويل الاقتصاد الوطني، ومواكبة المقاولات المصدرة، وخلق “أبطال وطنيين” ما مكنه من مواجهة المنافسة، والصمود أمام الأزمة المالية الأخيرة، بل والتوسع على الصعيد الإفريقي، كفاعل أساسي لمقاولات عالمية تبحث عن مؤسسات تضمن لها الحضور واشتغالها بالقارة السمراء.
إلا أن هذا القطاع، وعلى الرغم من المجهودات المبذولة في اتجاه تمويل المقاولات المتوسطة والصغيرة حيث تصل مساهمته إلى 17% وهي نسبة تفوق معدلات دول المحيط، أضحى مطالبا بمضاعفة الجهود، بالنظر لوضعية الاقتصاد الوطني الذي لم يستطع الرفع من مستوى النمو. وقد حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير، من فتور الاقتصاد المغربي خلال السبع سنوات الأخيرة، وفشل النموذج التنموي الذي عجز عن إنتاج الثروة والقيمة الاقتصادية المضافة وتوزيعهما على مختلف شرائح المجتمع بشكل يضمن العدالة الاجتماعية والإنصاف، وهو ما يفسر ترتيب المغرب المتدني في السلم العالمي للتنمية البشرية محتلا الرتبة 123 خلال 2018.
السيد رئيس الحكومة؛
لقد أكد الخطاب الملكي على ضرورة إعادة النظر في ممارسات وطموحات البنوك المغربية، مؤكدا على إلزامية انخراطهم الإيجابي تجاه المقاولات المتوسطة والصغيرة بما فيها التي تنشط في القطاع غير المهيكل، وأصحاب المشاريع، من فئات الشباب، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل. كما طالبها بتنظيم علاقاتها مع محيطها وتحسين صورتها.
وإذا كان خلق المقاولات وكذا إلحاق تلك التي تشتغل في القطاع غير المهيكل بالقطاع المنظم، تحديا كبيرا بالنسبة لبلادنا؛
وإذا أقررنا بكون الإشكالية مركبة وتستوجب اعتماد مقاربة مندمجة، والتقائية السياسات العمومية الاستثمارية والجبائية والاجتماعية، وخاصة توسيع الحماية الاجتماعية، إلا أن التمويل باعتباره شريان الاقتصاد، يبقى الرافعة الأهم.
فرغم الإصلاحات الإيجابية التي عرفها النظام البنكي، في اتجاه تحسين تمويل الاستثمار، وإزاحة أهم العراقيل أمام تمويل النشاط المقاولاتي، في إطار القانون البنكي ل 2006، وتخفيض سعر الفائدة، يبقى ولوج المقولات الصغيرة للتمويل أمرا عسيرا، سواء عند نشأتها أو نموها، في ظل ضعف قدراتها الذاتية وهشاشة بنياتها، جراء العديد من الإكراهات المرتبطة بضعف نمط حكامة هاته الفئة من المقاولات وإمكانيتها البشرية والتقنية و قدرتها الإئتمانية، وعدم توفرها على رأسمال ثابت ولا على ضمانات، علما أن اختيار الملفات في التمويل البنكي يتم على أساس الملاءة المالية و الضمانات العينية و الشخصية لتغطية مخاطر الالتزام بالتسديد، ذلك في ظل الإكراهات القانونية الوطنية والدولية (bale 3).
لقد أصبح لزاما على الحكومة تحديد الأولويات الاستراتيجية للقطاع على المدى المتوسط والبعيد، والرفع من البطء المسجل في النهوض بمناخ الأعمال، والعمل على تحقيق التوازنات الاجتماعية.
كما أصبح لزاما على البنوك تحمل مسؤوليتها المجتمعية تجاه الفئات الهشة من مكونات النسيج الاقتصادي خاصة عبر تسهيل الولوج إلى التمويل في وجه المقاولات المتوسطة الصغيرة والصغيرة جدا، والتوجه أكثر نحو منح الشباب المقاول قروض الإنتاج بدل منحهم قروض الاستهلاك التي تثقل كاهلهم، والحضور الفاعل والقوي ضمن البرامج الإرادية للتشغيل، في ظل عجز الدولة حل آفة بطالة الشباب خاصة من ذوي الشهادات والتي تتعدى في بلادنا 25%. .
السيد رئيس الحكومة؛
تفعيلا لتوصيات الخطاب الملكي، نسجل بإيجاب التفاعل السريع للحكومة والمؤسسات المالية بإحداث “صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية” ابتداء من فاتح يناير 2020، كما ورد في مشروع قانون المالية الذي ترصد له 6 ملايير على مدى 3 سنوات في إطار شراكة بين الدولة وبنك المغرب والمجموعة المهنية للأبناك، يخصص لدعم المقاولين الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة، خاصة المصدرة نحو إفريقيا.
وتمكين العاملين في القطاع غير المنظم من الاندماج المهني والاقتصادي عبر تيسير أنشطتهم ونمو ها وتحويلها للقطاع الرسمي مما يساهم في وصولها للجدارة الائتمانية.
السيد رئيس الحكومة؛
إن الدعم والمواكبة يجب ألاَّ يقتصرا على الجانب التمويلي من طرف الأبناك، كونه مسؤولية مشتركة بين كل المؤسسات المتدخلة لإنجاح المشاريع، من أبناك وسلطات محلية، ومراكز جهوية للاستثمار في حلتها الجديدة، بهدف تمكين الشباب حاملي المشاريع الاستثمارية وتنمية قدراتهم التقنية، ومصاحبتهم خلال مرحلة إنشاء مقاولاتهم ومراحل نموها، تداركا للهفوات التي أدت ببرامج سابقة كالمقاولين الشباب و”مقاولتي” إلى الفشل.
فكيف لم تكلف الحكومة نفسها عناء التقييم والتقويم للبرامج السابقة واستمرت في اجترارها؟
ولماذا لم تتدخل لوقف نزيف الإفلاسات التي عصفت بمشاريع الشباب وأدت بهم إلى ردهات المحاكم (1533 متابعة قضائية من أصل 1862 ملف)؟
فالحكومة لا يمكن أن تتنصل من مسؤوليتها بوضع الاستشرافات وإيجاد الآليات، بل عليها تسطير البرمجة المضبوطة، والتنفيذ الدقيق، والتتبع المستمر، والتقييم إن على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي.
السيد رئيس الحكومة؛
انطلاقا من ضرورة وضع آليات أخرى لتمويل أصحاب المشاريع الفردية الناشئة، من قبيل بنوك الاستثمار أو التمويلات البديلة، نسجل انفتاح الحكومة على التمويلات التعاونية : Crowdfunding التي أظهرت نجاعتها في العديد من الدول الأوربية كإنجلترا وفرنسا وغيرها من الدول كالشيلي، وفي هذا الصدد نؤكد على ضرورة الإسراع باعتماد الإطار المرجعي لهذه التمويلات والتعريف بها وتبسيط مساطرها، وخلق لجان مشتركة بين الحكومة وبنك المغرب والقطاع البنكي لتلعب الدور الاستشاري والإرشاداتي بتتبعها لعملية التمويل.
ومن أجل بلوغ الأهداف المسطرة، على القطاع البنكي توسيع تغطيته لكل المناطق ببلادنا وكذا لكل الشرائح الاجتماعية علما بأن نسبة التغطية البنكية لا تتعدى 56%.
على القطاع الرِّهان على جودة التكوين المستمر لمواكبة المستجدات وفرز مسؤولين قادرين على رفع التحديات، وإعادة النظر في الممارسات التي تضر بالقطاع، وسن سياسات تواصلية مع الزبناء تعرف بالآليات المتوفرة وتحقق التربية البنكية.
على القطاع البنكي تعزيز مسؤوليته الاجتماعية بتكثيف التوظيف كقطاع مشغل، بعد الفتور الملاحظ في السنوات الأخيرة.
وفي النهاية، على القطاع أن يجعل من العنصر البشري محور استراتيجياته التي لن يتأتى بلوغ أهدافها دون الارتقاء به.