بســم الله الـرحـمان الـرحيم
أخواتي ، إخواني ،
في مثل هذا اليوم،ومنذ 59 سنة، يحتفل الاتحاد المغربي للشغل مع كل كادحي العالم بعيد الشغل، عيد الطبقة العاملة، الذي تستحضر فيه نضالاتها وكفاحها، وتمد جسور تواصلها مع تاريخها المليء بالملاحم والبطولات، والمواقف المشرفة، عيد نؤكد فيه جميعا، عمالا وعاملات، مستخدمين ومستخدمات، موظفين وموظفات تلاحمنا، وتضامننا، ووحدة صفوفنا، واستقلاليتنا. ومن خلال تظاهراتنا الاحتفالية الحاشدة، نستعرض مطالبنا وتطلعاتنا وانتظاراتنا، ونعبر عن مواقفنا ورفضنا لكل التراجعات الاجتماعية.
في مثل هذا اليوم من كل سنة، تتجدد طاقاتنا النضالية، ويزداد عزمنا وإصرارنا على الدفاع عن حقوقنا المشروعة، ونتعاهد على مواصلة الكفاح من أجل تحقيق مجتمع ديمقراطي حر، خال من الاستغلال، والقهر والتسلط، مجتمع تتكسر فيه القيود، وتتحطم الحواجز الطبقية، مجتمع العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، مجتمع تتمتع فيه الطبقة العاملة بثمار عملها ومجهودها.
أخواتي إخواني،
ما أشبه اليوم بالأمس، يعود فاتح ماي والوضع لم يتغير، إن لم نقل يتفاقم، وتزداد الهوة اتساعا بين كمشة من المستحوذين على خيرات البلاد، وملايين الكادحين، وتتكرر الصورة العامة من خلال سياسات لاشعبية، يتحكم فيها منطق الأزمة، كما تحكم سابقا في برامج التقويم الهيكلي في ثمانينيات القرن الماضي.
إن بلادنا التي حباها الله بخيرات، وثروات طبيعية وبشرية، لم تعرف الحكومات المتعاقبة عليها، كيف تحسن تدبيرها، وتصريفها بعدل، وسعة أفق، وعقلانية، هاهي اليوم، تعيش على إيقاع نفس ضيق الأفق في ظل غياب تصور واضح، وتخطيط محكم، لينحصر الإبداع والاجتهاد في التطاول على مكتسبات، وحقوق الطبقة العاملة، وكل الفئات الشعبية المقهورة. فالقدرة الشرائية للكادحين والمستضعفين، كانت سهلة المنال، والإجهاز عليها، بمعية تردي الخدمات الاجتماعية، حل سحري تتجاوز به الحكومة إكراهاتها المالية والاقتصادية، وتقدم به شهادة الامتثال، وحسن السلوك للمؤسسات المالية الدولية. فمن عزم على العودة بالمغرب إلى برامج التقويم الهيكلي السيئة الذكر، التي أدت الطبقة العاملة المغربية ثمنها غاليا، إلى إجراءات تمهيدية من أجل إلغاء صندوق المقاصة، والإجهاز على أنظمة التقاعد، والتخلي عن الاستثمارات العمومية، والزيادة في الضرائب، والارتفاعات المتتالية في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وتجميد للأجور، وضرب للقدرة الشرائية المتدهورة أصلا، وتدني في الخدمات الاجتماعية.
محنة الحريات النقابية في بلادنا
أخواتي إخواني،
إن منطق انحياز الحكومة للمحظوظين، وخدمتها لمصالح الرأسمال المتوحش، يقود إلى مخططات تصفية المكاسب النقابية، التي حققتها الطبقة العاملة، بفضل نضالاتها، وتضحياتها لعقود من الزمن، وذلك ما نشهده من خلال ضرب الحريات والحقوق النقابية، والقيام بحملة مسعورة على حق الإضراب المكفول دستوريا، والمحمي بالمواثيق والمعاهدات الدولية، كما أنها لم تتردد في اللجوء إلى الفصل 288 من القانون الجنائي المغربي، من أجل متابعة المسؤولين النقابيين، المدافعين عن حقوق العاملات و العمال. وفي ظل هذه الأجواء المعادية للحق النقابي، قرر المجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل تنظيم حملة وطنية انطلاقا من هذا اليوم، وطيلة شهر ماي، للدفاع عن الحريات والحقوق النقابية.
إن موقع الاتحاد المغربي للشغل في واجهة النضال والكفاح العمالي، ووفاءه لتاريخه وهويته ومبادئه ومسؤولياته، جعلاه يحظى بالنصيب الأوفر من هذا الهجوم المعادي للحريات والحقوق النقابية، فإخواننا المسؤولون النقابيون والمناضلون، يتعرضون يوميا لضغوطات متعددة: متابعات قضائية، وإجراءات انتقامية، منها الطرد والتنقيلات التعسفية والتضييق، والشطط، والحيف، والظلم، ممارسات تتحالف فيها الباطرونا مع السلطات، تستهدف مناضلين عند تأسيسهم لمكتب نقابي، أو تقديم ملف مطلبي، أو عند مطالبتهم بتطبيق مدونة الشغل. ولعل في المثال الصارخ لما حدث لعمال شركة سيتي باص في فاس، ما يغني عن أي تعليق. ما ذنب أزيد من 500 أسرة شردت، سوى أن معيليها آمنوا بأن القانون يحميهم، ويكفل لهم حرية انتمائهم النقابي. فكان الطرد مصيرهم، بمجرد وضعهم لملفهم النقابي لدى سلطات فاس، التي وقفت تتفرج مكتوفة الأيدي، أمام مأساة اجتماعية، تسببت فيها أيادي يتعطل القانون أمام نفوذها، وتستقيل هيبة الدولة أمام سطوتها وجبروتها. نفس المصير تعرض له إخواننا في كوماريت ـ كوماناف فيري ـ، ولعل الهدية التي تم التكرم بها على الطبقة العاملة في عيدها الأممي، هي طرد المكتب النقابي لأسواق السلام بطنجة غداة تأسيسه بحر الأسبوع الماضي. يا لها من هدية جادت بها الباطرونا !!
فمدونة الشغل مازالت لم تعرف طريقها إلى التطبيق في مجموعة من القطاعات، والوحدات الإنتاجية، في وقت تتعرض فيه الحقوق الأساسية للعمال لمزيد من الانتهاك، ولازال عدد مهم من أرباب العمل يمارسون التهريب الاجتماعي، ويتملصون من تمكين العمال والعاملات من الحد الأدنى للأجر، ومن التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتأمين عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، وذلك، رغم استفادتهم من الامتيازات، والإعفاءات الضريبية. وفي ظل هذه الوضعية، يحرم ملايين العمال من حقهم في المعاش، والتعويضات العائلية، والتغطية الصحية.
الوحدة النقابية سبيلنا للدفاع عن الحقوق وصيانة مكتسبات الطبقة العاملة
أخواتي إخواني،
انطلاقا من دراسة وتحليل دقيقين للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشخيص للوضع النقابي في بلادنا، وبعد الوقوف على واقع وقضايا الطبقة العاملة المغربية وعموم الأجراء، وبعد عدة مشاورات، قررت المركزيات النقابية الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، تنظيم لقاء تنسيقي بالمقر المركزي للاتحاد المغربي للشغل يوم 29 أبريل 2014، تم تتويجه بإصدار تصريح مشترك، يوضح الإرادة النقابية الجماعية الهادفة إلى توحيد الحركة النقابية المغربية، كخيار استراتيجي، واعتبار العمل المشترك مرحليا في أفق الوحدة النقابية المنشودة. وقد رفعنا بتاريخ 11 فبراير 2014 إلى رئيس الحكومة مذكرة مشتركة، تتضمن مختلف مطالب الطبقة العاملة.
وأمام تماطل الحكومة وتلكئها، وتعاملها بلامسؤولية مع مطالب الطبقة العاملة، قررنا تنظيم مسيرة احتجاجية عمالية سلمية يوم 6 أبريل 2014. وفي ذلك اليوم سطرت الطبقة العاملة المغربية ملحمة تاريخية، مسيرة ضخمة حاشدة، ساهمت فيها جحافل العمال والمستخدمين والموظفين، نساء ورجالا، من مختلف القطاعات المهنية، ومن كل الجهات، انضمت إليها الجماهير الشعبية. حشود عمالية جابت شوارع الدار البيضاء، معبرة بسلمية و مسؤولية عن تذمرها واحتجاجها، ومستعرضة مطالبها بأسلوب حضاري رائع، خلف انطباعات مشرفة لبلادنا، وإشادات وطنية ودولية بوعي الطبقة العاملة المغربية، ونضجها النقابي، وقدرتها الهائلة على التعبئة، وعلى التظاهر السلمي المسؤول.
وبهذه المناسبة ،أهنئ كل الذين شاركوا في هذه المسيرة على النجاح الكبير والباهر الذي حققته، وعلى الدرس السياسي العميق، الذي برهنت به على أن المغرب في حاجة إلى حكومة تمتلك القدرة على الإنصات، واستيعاب متغيرات الواقع الوطني، والعمل مع شركائها على تجاوز الأزمات والاختلالات. فتحية إكبار وإجلال للطبقة العاملة المغربية، القوة الاجتماعية التي لا تقهر.
قيمة التفاوض الجماعي تكمن في قيمة نتائجه
وبدعوة من رئيس الحكومة، تم عقد سلسلة من الاجتماعات، انطلقت يوم الثلاثاء 15 أبريل 2014، تطرقنا خلالها للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي تعيشها الطبقة العاملة المغربية وعموم المأجورين، وأكدنا على طبيعتها التفاوضية، وعلى ضرورة تحديد منهجيتها وجدولتها الزمنية. كما طرحنا على الحكومة أولويات الملف المطلبي المشترك المتضمن للمحاور الأساسية:
تحسين الأجور والدخل: ـ الرفع من الحد الأدنى للأجر في القطاع الصناعي والتجاري والخدماتي والقطاع الفلاحي ـ إعفاء الأجور التي تقل عن 4000 درهم شهريا من الضريبة على الدخل ـ تخفيض الضريبة على الأجور ـ تطبيق السلم المتحرك للأسعار والأجور ـ تطبيق ما تبقى من بنود اتفاق 26 أبريل 2011 ـ رفع الحد الأدنى لمعاشات التقاعد وربطه بالحد الأدنى للأجور.
الحريات النقابية والعلاقات المهنية: في ما يتعلق بالحريات النقابية: ـ إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي ـ تعزيز آليات ممارسة الحق النقابي. وبالنسبة للعلاقات المهنية: ـ إطلاق المفاوضات القطاعية وتتويجها بإبرام اتفاقية جماعية ـ خلق لجنة لحل نزاعات الشغل الكبرى وتنقية الأجواء الاجتماعية ـ إنشاء مجلس استشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي كهيئة مستقلة كما كان معمولا به سنة 1996.
وقد بقي الاتحاد المغربي للشغل متشبثا بهذه المطالب التي قدم في شأنها البراهين والحجج الدامغة، مع تمسكه بمواقفه الرامية إلى ضرورة الاستجابة لها. وبفضل عملنا النضالي الوحدوي، وصلابتنا، وتشبثنا بكل ما تقدمنا به من مطالب، تمكنا من انتزاع مكاسب أولية، ومازلنا مصرين على تحقيق ما تبقى، حيث اتفقنا مع رئاسة الحكومة على مواصلة التفاوض حول باقي نقط الملف المطلبي بعد فاتح ماي. ولنا اليقين، أنه بالوحدة، وبتعزيز نضالاتنا وتقويتها، سنتمكن من تحقيق مطالبنا.
فمزيدا من التعبئة وتقوية الصفوف والتشبث بالمبادئ والوحدة، من أجل انتزاع كل مطالبنا العادلة والمشروعة.
فاتح ماي، يوم الاحتجاج والتضامن العمالي
أخواتي إخواني،
إن المساهمة الفعالة للاتحاد المغربي للشغل في النشاط النقابي الدولي، جعلته يحظى بإشعاع كبير، مافتئت منظمتنا تعمل عبره على تنمية وتمتين أواصر التضامن، بين العمال مغاربيا وعربيا وإفريقيا ودوليا، باعتبارها فصيلا أساسيا من الحركة النقابية الدولية الحرة والمستقلة، المناهضة للعولمة الاقتصادية والليبيرالية المتوحشة، والمدافعة عن السلام.
وإننا، إذ نؤكد من جديد التزام الطبقة العاملة المغربية، واستعدادها للدفاع عن الوحدة الترابية لبلدنا، واسترجاع سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية، والكفاح من أجل حماية صحرائنا المغربية من مختلف المناورات التي تحاك ضد السيادة الوطنية.
فلا يفوتنا أن نجدد تضامننا مع عمال وشعب فلسطين البطل، ونطالب المجتمع الدولي بالتحرك السريع لإنهاء الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
كما نعبر، في هذه الظرفية الحساسة عن تضامننا مع عمال وشعوب جميع الدول التي تناضل ضد الاضطهاد والاستبداد.
أخواتي، إخواني،
لا خيار لنا، سوى التشبث بمطالبنا، والتمسك بأهدافنا، ومواصلة التعبئة والتنظيم، وذلك لمواجهة الهجوم المعادي لمصالح الطبقة العاملة المغربية.
ومن جديد نعاهدكم أننا لن نخلف الموعد ، بل سنبقى أوفياء لهوية ومبادئ وأهداف الاتحاد حتى تتمكن الطبقة العاملة المغربية من تحقيق كامل غاياتها، ونجدد التزامنا بخدمة مصالح العمال والجماهير الشعبية وصيانة مكتسباتها، ومواصلة النضال حتى تحقيق الديمقراطية الحقة، والعدالة الاجتماعية، وازدهار الوطن وتقدمه، وضمان الحياة الكريمة لعمال وشعب المغرب.
عاشت الطبقة العاملة المغربية
عاش الاتحاد المغربي للشغل
عــاش المغـــرب