في لحظة صدمة غير مسبوقة، تابعت الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال المقاطع المنسوبة لبعض أعضاء اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وما تضمنته من ألفاظ خادشة وتعابير تنمر ومضامين تمس بالاحترام الواجب للأشخاص وللمهنة وللمنظومة التأديبية وللهيئات المهنية نفسها، وقد شكلت هذه المقاطع بما حملته من نبرة انتقامية صريحة، سقطة أخلاقية ومؤسساتية خطيرة غير مقبولة بأي شكل من الأشكال، ومسيئة لصورة إعلامنا داخليا وخارجيا
لقد بدا واضحا للرأي العام وللأسف الشديد، أن جلسة يفترض فيها التحلي بروح الحكمة والنزاهة والوقار تحولت إلى فضاء لتصفية الحسابات الشخصية، وخطاب لا يليق بمن يفترض أن يكونوا “حكماء” يتولون الفصل في قضايا الزملاء، وما تضمنته المقاطع المسربة من إساءة للمحامين الذين حضروا لممارسة حقهم الطبيعي في المؤازرة ومن تهكم عليهم، يعبر عن مستوى لا يشرف الجسم الصحافي ولا يليق بمؤسسة يفترض فيها احترام القانون وتكريس الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، حتى في نطاق المسطرة التأديبية.
وإذ نؤكد أن الزميل الصحافي حميد المهداوي، شأنه شأن أي صحافي، لا ننزهه عن الأخطاء المهنية وتحمله المسؤولية في حالة وقوعه في أي خرق أو انحراف مهني أو قانوني، فإن الجامعة تعتبر أن حقه في مسطرة تأديبية قانونية ومحايدة ومستقلة عن أي سلطة أخرى، حق غير قابل للمقايضة ولا للتأويل، فالمسطرة التأديبية ليست مجالا للانتقام ولا حلبة لتصفية الحسابات، بل هي مؤسسة قانونية تضبطها الضمانات وافتراض قرينة البراءة،
لقد سبق للجامعة، عبر مذكراتها وتقاريرها ورسائلها وبلاغتها، أن حذرت من الاختلالات المتراكمة داخل اللجنة المؤقتة، ومن الأساليب الانفرادية لرئيسها، ومن التوسع غير المشروع في الصلاحيات بل وفي تعسفه على الموارد البشرية ذاتها، التي تعرض بعضها للطرد بشكل تعسفي أمام أنظار الحكومة وجميع الهيئات، ودون سند قانوني ودون رقيب أو مساءلة، ولم تكن هذه التسريبات سوى الوجه العاري لممارسات نبهنا إليها طيلة السنوات الماضية، ودلائل جديدة على أن استمرار الوضع الحالي سيقود المهنة إلى مزيد من التدهور.
إن ما جرى اليوم هو النتيجة الطبيعية لمسار خاطئ يجب الإقرار به، انطلق منذ لحظة التمديد غير المبرر، ومرورا بتعيين لجنة مؤقتة خارج آليات الديمقراطية، وانتهاء ببلوغ مستوى خطير من الانزلاقات الأخلاقية والمؤسساتية، وقد أكدت الجامعة، مرارا أن الابتعاد عن المسار الديمقراطي الذي يمر عبر الانتخابات المهنية لن يفرز إلا مزيدا من فقدان الشرعية، ومزيدا من القرارات المرتجلة، ومزيدا من الإضرار بصورة الصحافة الوطنية.
إن الصحافة، بصفتها سلطة رابعة، كان يجب أن تبقى على مسافة واحدة من باقي السلط، لا أن تنساق خلف منطق الهيمنة والولاءات أو التوجيه أو التبعية، ولا أن تتحول إلى فضاء يعكس ممارسات تمس استقلالية الجسم الصحافي، الذي يشكل العمود الفقري لحرية التعبير.
إن الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال، أمام هذه الفضيحة المهنية والأخلاقية التي هزت الرأي العام المهني والحقوقس، تعلن ما يلي:
- استنكارها الشديد لما تضمنته التسريبات من إساءة للمهنة ولأخلاقياتها ومن مس بمنطق العدالة التأديبية؛
- مطالبتها بفتح تحقيق فوري ومستقل في ظروف وملابسات هذه الجلسات، وترتيب الجزاءات القانونية على كل من ثبت تورطه؛
- إلحاحها على الإنهاء العاجل لمهام اللجنة المؤقتة الفعلية فورا، باعتبارها أصبحت عبئا ثقيلا على المهنة وعلى البلاد وتشكل خرقا قانونيا سافرا، بدل أن تكون رافعة مهنية وحقوقية وسياسية؛
- تجديد مطالبتها بسحب مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، المنبثق بشكل ما عن هذه اللجنة، وإعادته إلى طاولة الحوار المؤسساتي؛
- تأكيدها على إطلاق حوار مهني جاد وشفاف يشمل كافة مكونات الحقل الصحافي، لإعادة تجربة التنظيم الذاتي لمسارها الديمقراطي السليم؛
- إلحاحها على مراجعة شاملة للتسيير والتدبير لاختصاصات المجلس الوطني للصحافة واللجنة المؤقتة ووضع حد لكل أشكال التعسف التي طبعت القرارات المتخذة في حق عدد من الاعلاميات والإعلاميين والمستخدمين؛
- تقديم كل المتورطين في هذه الانزلاقات إلى المساءلة المهنية والقانونية، صونا لكرامة الصحافيين ولسمعة القطاع.
إن الجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال، وهي تضع هذا البيان بين يدي الرأي العام، تؤكد أن المغرب يستحق هيئة مهنية مستقلة ونزيهة وأن الصحافيين المغاربة يستحقون مؤسسات تحترم قيمهم، لا جلسات تدار بمنطق الانتقام، ولا لغة تسيء للعدالة والزمالة والمهنة. وأن مدخل الإصلاح الحقيقي يبدأ بالمحاسبة والحوار واستعادة الشرعية الديمقراطية، لا بالترقيع ولا بالتبرير ولا بتزكية الانحرافات.
عن الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال
لمكتب الوطني
الاتحاد المغربي للشغل الوحدة، الاستقلالية، الديموقراطية 