رغم كل التجارب والإصلاحات التي استنزفت جهودا تدبيرية وموارد مالية هامة، لازالت المنظومة التعليمية ببلادنا تعيش على وقع اختلالات وأعطاب هيكلية متعددة التمظهرات: الاكتظاظ، الهدر المدرسي، عدم اكتساب الكفايات والمهارات، غياب وتدهور البنيات التحتية، التفاوتات المجالية، وعدم ملاءمة سوق الشغل، والبطالة… ما يحول دون اضطلاع منظومتنا التعليمية بأدوارها في جر قاطرة التنمية.
وهو ما جعل المغرب يحتل رتبا مخجلة بناء على تقارير مؤسسات دولية: اليونسكو، البنك الدولي، أو الأمم المتحدة، ومؤسسات وطنية كالمجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي نفسه الذي أقر بالوضعية المتردية للمدرسة بصفة عامة وأساسا المدرسة العمومية.
ولعل القاسم المشترك لكل محاولات الإصلاح، ولإصلاحات الإصلاح التي عرفها هذا القطاع هو افتقادها للرؤية الاستشرافية والمقاربة المندمجة. والأمثلة متعددة كإغفال التعليم الأولي في البرنامج الاستعجالي، ومؤخرا اعتماد البكالوريوس والتراجع عليه دون سابق إنذار، مع ما ترتب عن ذلك من هدر للزمن الجامعي وللمجهودات الفكرية وللتمويلات، ومن لخبطة لدى الأساتذة والطلبة …
كل هذا ينم عن غياب الإرادة السياسية! فإصلاح المدرسة العمومية ليس أمرا تقنيا أو قطاعيا بحتا، بل هو في صلب الإصلاح المجتمعي الشامل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا! هو مسألة سياسية بامتياز، تقتضي الإجابة عن إشكالية اللغة مثلا، الانفتاح، مكانة البحث العلمي، التمويل، وليست مجرد تغيير في الأدوات والبرامج، وآليات التدبير الإداري. إصلاح يقتضي استحضار البعد الحقوقي، باعتبار التعليم حقا من الحقوق الدستورية.
السيد رئيس الحكومة
إن طموح الأسر المغربية و التلاميذ و طموحنا كاتحاد مغربي للشغل، هو أن تتوفر إرادة سياسية فعلية، من أجل “تعليم ذي جودة للجميع”، شعار الحملة التي أطلقتها الوزارة الوصية، من أجل تجويد المدرسة العمومية في الخمس سنوات القادمة.
ونحن ننتظر اليوم، مخرجات هذه المشاورات في إطار خارطة طريق واضحة المعالم تعكس انخراط الدولة الفعلي في تأهيل وتطوير تعليم عمومي جيد يضمن تكافؤ الفرص،
خارطة تستمد مشروعيتها:
من القانون الإطار المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي كترجمة قانونية للرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030.
ومن تقرير النموذج التنموي الجديد.
ومن شعار الدولة الاجتماعية.
وتنطلق من الإشكاليات الرئيسية:
التدبير أو الحكامة على مستوى صناعة القرار مركزيا وجهويا وإقليميا
جودة التعلم؛
منظومة الموارد البشرية باعتبارها المحرك الفاعل للعملية التربوية برمتها، والمقوم الأساسي لأي إصلاح،
فتدبير الموارد البشرية في القطاع يعاني من إشكالات عميقة ناتجة عن التنوع الفئوي وتعدد الأنظمة (النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وأنظمة خاصة بأطر الأكاديمية (الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد) والأطر المشتركة وهيئة الأساتذة الباحثين بمؤسسات تكوين الأطر العليا، ما أصبح يشكل عائقا للتدبير الاستراتيجي والارتقاء بالكفاءات والوظائف وتأهيل العنصر البشري وتحقيق الجودة.
إننا في الاتحاد المغربي للشغل، ونحن نتطلع إلى جانب الأسر المغربية إلى الارتقاء بمنظومتنا التعليمية، نؤكد على ضرورة:
الإسراع بإخراج القوانين والنصوص التنظيمية لتنزيل مضامين القانون الإطار عبر منهجية ديمقراطية تضمن إشراك الفرقاء الاجتماعيين،
توفير البنيات التحتية، بالموازاة مع التصدي للفقر والهشاشة والفوارق المجالية، والفوارق المبنية عن النوع الاجتماعي التي لا زالت تحرم آلاف الفتيات في القرى، من الولوج إلى المدرسة ومتابعة مسارهن التعليمي.
تجهيز وصيانة مؤسسات التربية والتكوين، وتعميم الربط بشبكة الماء والكهرباء، والمرافق الصحية، وتعميم الولوج إلى الأنترنيت ذي الصبيب العالي على كل أقاليم المملكة …الخ.
الارتقاء بالتعليم الأولي وتعميمه والعمل على الإدماج الكامل للتعليم الخصوصي ضمن المنظومة التعليمية، واعتباره مرفقا عموميا يخضع للمراقبة والحكامة.
الانخراط في اقتصاد المعرفة من أجل بناء جيل جديد قادر على الاستفادة من ثمار الثورة الصناعية الرابعة، وامتلاك المعارف والمهارات الضرورية للانخراط في وظائف الغد.
النهوض بوضعية رجال ونساء قطاع التعليم بكافة شرائحهم ماديا ومعنويا. وبهذا الصدد، وحيث أصبح لزاما إعادة صياغة نظام أساسي جديد موحد، كشرط أساسي للارتقاء بالمدرسة العمومية، فقد انخرطت الجامعة الوطنية للتعليم كنقابة الأكثر تمثيلية بالقطاع في ورش إصلاح النظام الأساسي باللجنة المختصة. أملنا السيد رئيس الحكومة أن يثمر عملها وأن تسهروا على إصدار قانون أساسي موحد، ومدمج ومنصف ل 300 ألف موظف وموظفة بقطاع التعليم.