لاتزال مهنة التخدير والإنعاش في المغرب تتخبط في متاهة الغموض والارتجالية في التدابير التي تتخذها الوزارة الوصية والتي لا تزيد هذا التخصص المهم بقطاع الصحة العمومي إلا تأزما، ولعل “المراسلة” رقم 68/11 الصادرة عن وزير الصحة بتاريخ 07 شتنبر 2022 ماهي إلا تمظهر جلي وتكريس لهذا التخبط وعدم الاستقرار الذي تعيشه ممارسة التخدير والانعاش بالمستشفيات العمومية بشكل يومي وعبر مختلف ربوع هذا الوطن.
فمن حيث الشكل “المراسلة” لم تأتي في صيغة قانون أو قرار أو مرسوم وزاري، بقدر ما نسخت مذكرات مصلحة مماثلة دأب المدراء الجهويون ومناديب الأقاليم على الاجتهاد في إصدارها في السنوات الأخيرة. ومن حيث المضمون دائما فتعتبرها جملة وتفصيلا مجرد “تحصيل حاصل” لأن ممرضي التخدير والإنعاش كانوا دائما ولازالوا صمام الأمان الضامن لاستمرارية عمليات التخدير المستعجلة منها وحتى المبرمجة وبإحصائيات ممتازة ومؤشرات نجاح جد حسنة، في ظل ظروف العمل المزرية لا تخفى على الداني والقاصي.
وعليه، فإن الإشادة بكفاءاتهم العالية تفرض نفسها تلقائيا وغنية عن الشكر أو الثناء بقدر يوازي أحقيتها في الاعتراف الفعلي والقانوني بمهنتهم، وما يصاحب هذا الاعتراف من تحسين آني لوضعيتهم المادية والمهنية والاجتماعية وبالتالي التخفيف من عمق الضغط النفسي الذي يتحمله الممرض(ة) “البناج (ة)” خلال إشرافه بمفرده على العملية الجراحية “المستعجلة” مع استحضار الحمولة الثقيلة للطابع الاستعجالي، وما يصاحبه من ظروف تزيد من خطورة عملية التخدير: نزيف.. حوادث سير نساء حوامل (وغيرهم) عمليات تجرى غالبا في الليل… ولأن ممرض (ة) التخدير ليس بحاجة لتذكيره بنصوص القانون الجنائي فهو يعيها جيدا لأن معيشه المهني اليومي معلق ومنذ عقود بين مطرقة الفراغ القانوني لمهنته من جهة وبين سندان المتابعة القضائية بحجة عدم تقديم المساعدة لمريض في خطر من جهة أخرى.
لذلك آثر ومنذ عقود أيضا وقبل وبعد صدور القانون 43/13 آثر المخاطرة والتضحية في سبيل الحرص على إنقاذ حياة المرضى باعتباره واجبا إنسانيا ووطنيا ثم مهنيا وامتدت مجالات اشتغاله ليتم تنصيبه في بعض المستشفيات كمفتاح متعدد الاستعمالات للتدخل في مختلف المصالح زد على ذلك تكليفه بالمرافقة “الشبه طبية” للمرضى عند تنقيلهم بين المستشفيات. ولا يفوتنا هنا التذكير والترحم غلى أرواح ممرضات وممرضي التخدير والإنعاش شهداء الواجب المهني الذين لقوا حتفهم في الطرقات، كما لا تفوتنا الإشادة بالدور المحوري الذي لعبه ممرضو التخدير والإنعاش وبشكل “فعلي ومتواصل” بمختلف مصالح إنعاش کوڤيد-19.
ففي الوقت الذي كنا ننتظر ثتمين هذه الجهود وتحصينها من خلال توفير الموارد البشرية والظروف التقنية اللازمة من أجهزة ومعدات وأدوية وبنوك الدم وسيارات إسعاف وسد الفراغ القانوني للمهنة الذي يعرض ممرضي التخدير للمسائلة القضائية وتحديد المهام والأعمال المسندة لممرض التخدير والإنعاش بصيغة قطعية لا بصيغة فضفاضة قابلة للتأويل حسب مزاج البعض والانكباب على مراجعة التعويضات المادية للحراسة والإلزامية والرفع من قيمتها وإرفاقها بتعويض على المردودية والإنصاف في التعويض عن الأخطار والاهتمام بالتكوين المستمر، جاءت “مراسلة” السيد الوزير 68/11 الترقيعية لتزكي سياسة فرض الأمر الواقع والهروب إلى الأمام وترك أمور ممرض التخدير على ماهي عليه بل وتحميله ما يفوق الطاقة ولا يعادل الجزاء.
اننا في اللجنة الجهوية لممرضي التخدير والانعاش للج. و. ص إ. م. ش لبني ملال خنيفرة إذ نرفض أن يتم تحميل ممرضي التخدير والإنعاش تبعات فشل المنظومة الصحية بالبلاد، فإننا:
– نرفض رفضا باثا ما جاءت به هذه “المراسلة” لأنها لم تغير شيئا في الواقع المختل الذي يشتغل في ظله أصلا ممرضو التخدير والإنعاش بل لم تقم إلا بوضعهم في فوهة المدفع وتركهم لمواجهة مصيرهم رسميا، حيث لم تترك لهم مجالا للتعبير عن تخوفهم أو عدم قدرتهم على القيام ببعض التدخلات التي تتطلب بشكل ملح القيام بذلك تحت إشراف الطبيب المختص في الإنعاش والتخدير.
– نحذر من مغبة الالتفاف على “المراسلة” على علاتها، ومحاولة استغلالها خارج السياق الذي يتم “التضليل” بأنها أخرجت من أجله.
– نسائل وزارة الصحة عن مصير العمليات المبرمجة التي يفرض على ممرضي التخدير والإنعاش “عبر اجتهادات داخلية” القيام بها في غياب إشراف أطباء التخدير والإنعاش في بعض المستشفيات، خصوصا وأنها تركت الباب مشرعا لتصنيف الحالات المستعجلة، وما يمكن أن ينتج عنه التوتر في العلاقات المهنية.
– ننبه إلى عدم تأطير “المراسلة” للحالات الخطيرة التي يمكن أن تتدهور وكيفية مواجهتها؟ وبمن يمكن الاتصال؟ أو من يتدخل؟. وكذلك الأمر بالنسبة لحديثي التعيين.
– نستغرب عدم الاستعداد لربط مزاولة مهام التخدير “بصفة مؤقتة” دون طبيب مختص بالتكوين المستمر خصوصا في استعمال بعض المواد والمجالات الحصرية للطبيب، وكذلك في الإنعاش، ولو في حدود معينة. فضلا عن عدم تخصيص أي تعويض في هذا الشأن.
– نعتبر “المراسلة” بمثابة “ورقة رسمية” يسجلها التاريخ كشهادة على الأعباء الحقيقية التي يتكبدها ممرضو التخدير والإنعاش.
– نسجل بأن وزارة الصحة وهي “تحتم على كافة ممرضات وممرضي التخدير والإنعاش التابعين للقطاع العام وبشكل مؤقت تأمين التدخلات الاستعجالية” تكرس التهرب من عدم أتخادها للتدابير التحفيزية من أجل وقف نزيف هروب أطر التخدير والإنعاش نحو القطاع الخاص والرفع من عدد مناصب التكوين المفتوحة في هذا التخصص، وعدم الوقوف على التوزيع العادل والمعقلن لأطر التخدير والإنعاش عبر ربوع الوطن، وقد تسعى الى أن يتحول شكل التحتم “المؤقت” إلى أبدي.
– نعتبر التنزيل الأمثل لورش إصلاح المنظومة الصحية ببلادنا يمر أساسا عبر الإنصاف الجدي للأطر الصحية بمختلف فئاتهم.
– نهيب بممرضي وممرضات التخدير والإنعاش لاتخاذ الحيطة والحذر مما تستوجبه الظرفية الراهنة من إكراهات ومخاطر، والتعبئة من أجل صون الكرامة واكتساب الحقوق المشروعة وفي مقدمتها التأطير القانوني الفعلي والفعال للمهنة وسن التحفيزات والتعويضات المرافقة لها وتوفير الحماية الضرورية.
اللجنة الجهوية لممرضي التخدير والانعاش بني ملال خنيفرة