مداخلة فريق الاتحاد المغربي للشغل
حول مشروع قانون المالية رقم 65.20 للسنة المالية 2021
(كما وافق عليه مجلس النواب)
السيد الرئيس
السيد الوزير
السيدات والسادة المستشارين
يعتبر القانون المالي أهم قانون في السنة التشريعية، لكونه المرآة الحقيقية لتعاطي الحكومة مع قضايا وهموم الجماهير الشعبية ورسم السياسات العمومية الكفيلة بتجويد الحياة العامة، كما نعتبره في الاتحاد المغربي للشغل فرصة دستورية للترافع من أجل إنعاش المالية العمومية بمضمون اجتماعي يخرجها من برودة وجمود الأرقام وسراط التوازنات المسلطة على أعناق الشغيلة وعموم المأجورين.
ولأن هذه السنة استثنائية بكل المقاييس وعلى كل المستويات، كان أملنا كبيرا أن تكون الحكومة قد استوعبت درس الجائحة جيدا لينعكس على اختياراتها الكبرى في القانون المالي لهذه السنة التي عرت فيها الجائحة على عمق الأزمة المركبة والهيكلية لقطاعات حيوية، كنا دائما ندق ناقوس الخطر بشأنها. إلا أن الحكومة أمعنت في نهجها الرافض للفلسفة التشاركية عبر إقصاء الحركة النقابية من عضوية لجنة اليقظة وإشراكها في رسم التوجهات لإخراج بلادنا من عنق الزجاجة خاصة في مرحلة جد عصيبة تقتضي الحوار والتوافق الواسع.
صحيح أن الجائحة أربكت التدبير الحكومي، وأسقطت كل الفرضيات والمؤشرات التي اعتمدها القانون المالي لسنة 2020، لكن الحكومة فوتت الفرصة في جعل قانون المالية هذا، باعتباره آخر قانون مالي في عمر هذه الولاية وقبله القانون التعديلي، نقطة تحول في مقاربة التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومراجعة التوجهات باستعادة التحكم في القرارات وفق ما تمليه مصلحة الوطن ومصلحة الشعب المغربي وفي مقدمته الطبقة العاملة. وتشبثت باختياراتها المحاسباتية بدل إعادة ترتيب أولوياتها بعيدا عن الوصفات الجاهزة للمؤسسات المالية الدولية التي جعلت بلادنا تتذيل الترتيب الدولي في مؤشرات التنمية البشرية.
لقد كشفت تداعيات الجائحة عن حجم الهشاشة الهيكلية لبنية اقتصادنا الوطني بسبب عدة عوامل من ضمنه:
- الرهان على اقتصاد السوق دون وجود مقومات لهذا الاقتصاد، مما جعله عرضة للريع والاحتكار.
- اعتبار القطاع الخاص المحرك الرئيسي للتنمية على حساب القطاع العمومي؛
- مراهنة الحكومات المتتالية على الأسواق الخارجية باعتماد التبادل الحر غير المتحكم فيه وغير المتكافئ في وقت ما يزال الاقتصاد المحلي يعاني صعوبات على مستوى خلق القيمة المضافة التنافسية، فسارعت إلى التوقيع على مجموعة من اتفاقيات التبادل الحر 57، دون تقييم آثارها على الاقتصاد الوطني. (ولنا في الاتفاقية مع تركيا نموذجا للتأثيرات الوخيمة على اقتصادنا المحلي إضافة إلى الحصيلة السلبية لباقي الاتفاقيات)
- فشل الحكومات المتعاقبة في ترجمة الارتفاع في نقط النمو التي تحققت في السنوات الفارطة إلى مناصب شغل كافية لامتصاص البطالة وسط كل الفئات العمرية وخاصة لدى أصحاب الشواهد العليا.
فلم تفلح السياسة الحكومية في بناء اقتصاد وطني قوي ومهيكل والحال أن الجزء غير المهيكل من اقتصادنا الوطني ظل يشكل نسبة مهمة من الناتج الداخلي الخام.
وقد زادت جائحة كوفيد -19 من هول هذه الهشاشة ومن توسيع رقعة الاقتصاد غير مهيكل الذي فاقم من الإشكالات الاجتماعية. وهو ما يظهر جليا من خلال:
- الارتفاع المهول في نسبة البطالة حسب آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط 15% خلال الفصل الأخير.
- ارتفاع نسبة الفقر والهشاشة مجاليا، و في صفوف العاملات بسبب التسريحات الفردية والجماعية بالمقاولات بما فيها تلك التي استفادت من الدعم (ضخ120 مليار درهم لدعم المقاولات). مستغلة إجراء القانون المالي التعديلي بدعم المقاولات التي تحافظ على 80% من مناصب الشغل في صفوف الأجراء المسجلين بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كشيك على بياض لتسريح 20% من عمالها. والتخلص من المسؤولين النقابيين بتوقيف عقود عملهم نهائيا، الأمر الذي نبه اليه الاتحاد المغربي للشغل في حينه
فثلث المغاربة اليوم، يعيشون تحت عتبة الفقر كما أن 589 ألف عامل وعاملة فقدوا شغلهم. 264 ألف منصب شغل مؤدى عنه، وارتباطا بانخفاض الناتج الداخلي الخام، فقدان 227 ألف في القطاع غير الفلاحي و70 ألف منصب في القطاع الفلاحي.
واليوم نتساءل حول فعالية الإجراءات المتخذة وحول ما تعتزم الحكومة القيام به لمعالجة الوضع في ظل توقيف الدعم والإعلان الرسمي أن الاقتصاد لن يسترجع عافيته قبل 2023. واسترجاع العمال لمناصبهم.
من جهة أخرى، استغلت الحكومة الأزمة الصحية للتضييق من هامش الحريات الفردية منها والجماعية بما فيها الحرية النقابية، لمحاولة تمرير قوانين اجتماعية مصيرية بمنهجية أحادية خارج مؤسسة الحوار الاجتماعي من قبيل: مشروع القانون التنظيمي/ التكبيلي للإضراب والقانون التكميمي للنقابات، والتخطيط للمس بمدونة الشغل وتكريس الهشاشة بدعوى المرونة، دون القيام بتقييم حقيقي لمدى احترام مقتضيات مدونة الشغل، علما أن كل الإضرابات التي يخوضها العمال والعاملات ناتجة عن عدم احترام تشريعات الشغل، والقوانين الاجتماعية. ما جعل منظمتنا تدعوا إلى شهر من الاحتجاج.
كما أنها لم تتردد في الإجهاز على المكتسبات التاريخية للعاملات والعمال، من قبيل محاولة تفويت مصحات مؤسسة الضمان الاجتماعي في تجاوز لاستقلالية قرار مجلسه الإداري علما أنها ممتلكات ومكتسبات تاريخية للمنخرطين، بدل تأهيلها وإنصاف العاملين الذين لا يتوفرون حتى على التغطية الصحية الاجبارية.
السيد الرئيس
في الوقت الذي، نسجل تفاقم الأوضاع الصحية في ظل منظومة صحية مهترئة، لم تستطع استيعاب كل المصابين الذين أصبحوا قابعين في بيوتهم، مع ما يتضمنه هذا الوضع من مضاعفة تفشي العدوى، وفي ظل تفاقم الوضعية الاجتماعية التي يزيد من حدتها غياب شبكات الأمان.
وأمام هول المؤشرات، وبعد الخطاب الملكي، الذي دعا إلى تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، والذي نعتبره أهم ورش في الستة عشرة سنة الأخيرة.
كنا نأمل أن تسهر الحكومة على ترجمة التوجهات الملكية من خلال إشراك الحركة النقابية في وضع معالم ورش الحماية الاجتماعية، وفي مقدمتها ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية. لكن، مرة أخرى وفي خرق واضح للمنهجية التشاركية المفروض أن تعتمد في بناء الأوراش الاستراتيجية. هرولت الحكومة إلى فرض مقاربتها المالية لتدشين هذا الورش الذي يعتبر مدخلا للعدالة الاجتماعية بإجراء تمويلي غير عادل وغير منصف. ولا يُحَقق الاستدامة، بل سيزيد من إضعاف الطبقة الوسطى وخاصة الأجراء منها.
فلم تراع فيه الحكومة كلفة العمل ولا القدرة الشرائية والرفع من الاشتراكات الخاصة بالحماية الاجتماعية لهذه الفئة وتجميد أجور المتقاعدين منها.
- لم تراع فلسفة النظام الجبائي وبالأخص الضريبة على الدخل الذي لا يزال يحتسب على دخل الفرد وليس على دخل الزوجين.
- لم تراع كون الفئة المستهدفة من الضريبة هي تلك التي اكتوت بسياسة تسليع الخدمات العمومية الأساسية كالتعليم والصحة، لم تراع أن 73٪ من الضريبة على الدخل IR التي تستخلصها الدولة هي من دخل الموظفين وعموم الأجراء.
- لم تراع حجم المسؤولية العائلية الملقاة على الفئات المستهدفة، في غياب الإجراءات الاجتماعية المرافقة لحماية الطبقة العاملة من كارثة فقدان مناصب الشغل وبالتالي مصدر العيش، وبالفعل فقد العديد من الأزواج مصدر عيشهم.
لقد تحاشى قانون المالية الإصلاح الجبائي في بعده الحقوقي، المبني على مبادئ المساواة والشفافية والعدالة في توزيع العبء الضريبي من خلال التخفيف من الضغط الضريبي على الأجور، وتوسيع الوعاء الضريبي بتضريب الثروة، كما اقترحتها منظمتنا، وعلى القطاع غير المهيكل، خارج القطاع المعيشي، ومراجعة الإعفاءات الضريبية في القطاعين الفلاحي والعقاري، حيث يستحوذ هذا الأخير على حصة الأسد من 32 مليار والرفع من الضريبة على المنتجات الفاخرة بما يحفظ توازن الميزانية والمساواة بين جميع مكونات النسيج الاقتصادي، والقطع مع الفساد والتهرب الضريبي من جهة، وتسخير الإنفاق الضريبي في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية من جهة أخرى، في أفق إرساء منظومة ضريبية عادلة ومنصفة، كما أوصت بذلك المناظرة الوطنية وتوصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
السيد الرئيس
لقد أخلفت الحكومة كعادتها الموعد، لتؤكد استمرارها في نهج نفس اختياراتها الاقتصادية الهجينة، وفي تبني السياسة التقشفية، وتحميل الفئات الشعبية تكاليف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وعجزها إيجاد حلول ناجعة لمواجهة التحديات التي زادت من حدتها واستعجاليتها وإلحاحيتها هذه الظرفية الاستثنائية والعصيبة، وتنزيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المضمونة دستوريا.
فمشروع القانون المالي لسنة 2021:
– تغاضى عن مباشرة الأوراش الأساسية للإصلاح، الهادفة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني على أسس متينة، تقطع مع كل أشكال الفساد والريع، لتوفير فضاء قادر على استقطاب الاستثمارات وخلق الثروة في الاقتصاد الواقعي المنتج يعيد الارتباط بالصناعة والبحث العلمي ويقوي المنحى والمضمون الاجتماعي للدولة المغربية.
- لم يترجم شعار النهوض بالمرفق العمومي وإعادة الاعتبار للقطاعات الاجتماعية إلى إجراءات ملموسة بالنظر لعدد مناصب الشغل المخصصة للتعليم والصحة رغم المجهود الملحوظ على مستوى قطاع الصحة 5500 منصب شغل و 2000 منصب بقطاع التعليم، إذا ما استثنينا 17000 المخصصة للذين فرض عليهم التعاقد، وبالنظر إلى ميزانية القطاعين زيادة لم تفق 4 مليار درهم، بالنسبة للصحة. مجهود يبقى بعيدا عن تغطية الخصاص المسجل في الموارد البشرية، وتوفير التجهيزات والمعدات الضرورية والرفع من جودة الخدمات، وتحسين أجور العاملين، لسد العجز المهول لهذين القطاعين الاستراتيجيين في تحقيق التنمية المستدامة.
مشروع قانون خفض الاستثمار بنسبة 3,8%
- لم يخفض من حجم المديونية التي حققت أرقاما قياسية عجز الميزانية الذي تضاعف 7,5% برسم قانون المالية التعديلي 2020، بالنسبة لميزانية 2020 ولم يبحث عن البدائل من داخل الاقتصاد الوطني للحد من آثارها السلبية، للحفاظ على التوازنات المالية والاجتماعية، عوض اللجوء إلى الاقتراضات
مشروع قانون مالي لم يستطع تحقيق القطيعة مع العديد من شوائب نموذجنا الاقتصادي والتنموي. ولم يعد الاعتبار للقطاع العمومي والقطاعات الاجتماعية. ولم يفلح في إيجاد حلول مبدعة كفيلة بالإجابة عن الإشكالات والتحديات المطروحة، إذ لم تقبل حكومتكم ما تقدم به فريقنا من حلول جبائية من قبيل إحداث ضريبة على الثروة وضريبة بيئية ضمانا لاستدامة تمويل صندوق دعم الحماية الاجتماعية. وهي كلها تعديلات تسير في اتجاه إرساء العدالة الاجتماعية والبعد التنموي المستديم.