تعتبر الجامعة الفضاء الطبيعي للإنتاج المعرفي والبحث العلمي بشتى أنواعه، ومجال اكتساب مهارات الخلق والإبداع في إعادة إنتاج المعرفة، كمصدر رئيسي للثروة، وأحد أهم مؤشرات التنمية، وركن أساسي في الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، وقياس مدى تطور المجتمعات وازدهارها. لكن تعليمنا الجامعي، السيد الوزير، ليس على أحسن حال، ويعيش مشاكل بنيوية رغم الإصلاحات المتعاقبة التي أبانت على الفشل وتعثر تنفيذ الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015 – 2030) في مواجهة التحديات المطروحة وتزايد الضغط الديمغرافي والتمييز الخطير للولوج إلى الجامعات والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود، مما يكرس النخبوية ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص، والعدالة اللغوية والمجالية، والعدالة المعرفية والثقافية، والعدالة الرقمية، والعدالة الاجتماعية.
السيد الوزير،
يكلف الهدر المدرسي الدولة 370 مليار سنتيم من ، نسبة كبيرة تقدر ب 47,2% من طلبتنا ينقطعون عن الدراسة دون الحصول على أية شهادة وحتى نسبة 13,3% الدين يحصلون على شواهد يرمى بجلهم على رصيف البطالة القاتلة، لغياب ربط تعليمنا العالي بسوق الشغل، وغياب الارتباط العضوي والموضوعي بين الجامعة كفضاء للابتكار، خاصة في القطاعات الصناعية والخدماتية والتكنولوجية، وبين الشركات والمقاولات ذات الاختصاص، وإشكالية التوجيه في اختيار الشعب والتخصصات. وطبعا كان للنظام القديم الإجازة دور في ارتفاع نسبة الهدر الجامعي بسبب العديد من التععقيدات، نأمل مع تجربة البكالوريوس تجاوزها، وخلق دينامية في جامعتنا على كل المستويات، مرتكزها مناهج ومقررات بما فيها الموارد الرقمية تواكب المستجدات والتطورات المعرفية في كل المجالات، وربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي، وتشجيع البحث العلمي، وتقنينه وترشيده، والعمل على الحد من أسباب الهشاشة والفقر المستشري بين الطلبة، بإنشاء مركبات جامعية– Les campus- تكون بمثابة فضاءات عيش الطلبة وتعزيز إشراكهم في تطوير الحياة الجامعية، وتوزيع الجامعات على مختلف الجهات، وجعلها أقطابا للتنمية الجهوية .
وهو ما يتطلب تعبئة شاملة وإرادة سياسية التقائية للحكومة وكل المكونات الوطنية والمتدخلين المباشرين من أساتذة والإدارات الجامعية والمجالس الجامعية، وأن نجعل التعليم الجامعي ضمن أولويات النموذج التنموي، وربط إصلاح تعليمنا الجامعي بمنظومة التربية والتكوين بمنظور شامل، والمنفتح على التجارب الناجحة للتعليم العالي والاحتذاء بها.