السيد رئيس الحكومة المحترم:
إن اختيارنا لموضوع “السياسات العمومية لمواجهة الفقر والهشاشة، خصوصا في العالم القروي” جاء بسبب المؤشرات الوطنية والدولية المهولة، والتي جعلت بلادنا تتذيل مراتب تصنيف السُّلَّمْ العالمي للتنمية، إضافة إلى الأرقام المقلقة التي كشف عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره الأخير لسنة 2016، والتي تظهر بجلاء حجم الفقر والهشاشة التي طالت الفئات الفقيرة من المجتمع، وعلى وجه الخصوص بالعالم القروي.
وقد كشفت التقريرعن ارتفاع نسبة الأمية في صفوف الساكنة القروية، واستمرار ارتفاع الفقر والهشاشة، حيث إن 79.4 في المائة من فقراء المغرب يوجدون في العالم القروي، و64 في المائة من الفقراء في وضعية هشاشة.
فلقد سـجلت سـنة 2017، العديـد مـن الوفيـات فـي صفـوف النسـاء فـي ارتبـاط مـع وضعيـة الفقـر التـي يعشـنها، والكل لازال يتذكر كارثة سيدي بوعلام حيث لقيـت 15 سـيدة حتفهـن فـي إقليـم الصويـرة علـى إثـر حـادث تدافـع وقـع خـلال عمليـة توزيـع مـواد غذائيـة علـى الأسر الفقيـرة، كمـا فارقـت الحياة 4 نسـاء، يعشـن مـن أنشـطة التهريـب علـى الحـدود، فـي حـادث تدافـع فـي معبـر بـاب سـبتة.
السيد رئيس الحكومة المحترم:
إن الأرقام التي بين أيدينا مقلقة،والأخطر من ذلك أن الحكومة لازالت تنهج سياسة الأذن الصماء اتجاه المطالب العادلة للطبقات الفقيرة والمهمشة، رغم ما عرفته بلادنا من احتجاجات اجتماعية جعلتإشكالية الفقر والهشاشة، تحديا كبيرالبلادنا، اعتبارا للتحولات الكبرى التي عرفها المجتمع في السنوات الأخيرة، وذلك بالنظر على تنامي رفض الفوارق ووعي المواطنين المتزايد بحقوقهم، وتعبيرهم أكثر فأكثر عن عدم رضاهم علىواقهم المعيش،بالمقارنة مع احتياجاتهم وانتظاراتهم.مماجعل بلادناأيضا تشهدت أحداث مؤسفة ،دفع ثمنها شباب مغري من حياته وحريته،هذا الشباب الذي وصل إلى درجة من الإحباط والتذمر أفقدته الثقة في كل شيء وأصبح يرى في البحر والموت بوابة الفردوس المفقود، الذي ليس في الواقع إلابوابة لعالم آخر من المعاناة والغربة والتهميش.
السيد رئيس الحكومة المحترم:
رغم أن بلادنا قد وضـعت عـدة برامـج واسـتراتيجيات ترمـي إلـى الحـد مـن الفقـر والإقصاءالاجتماعي والحـد مـن الفـوارق في مجـال الولـوج إلـى الحقـوق الأساسية فضـلا عـن الفـوارق المجاليـة، إلا أن بعض هذه البرامج والأوراش أو جلها، أوراش ذات طابع خاص ومحدد، من حيث أنها تستهدف قطاعا معينا أو شريحة اجتماعية معينة (برنامجتيسير، مليون محفظة،برامج المقاولةالذاتية، نظام المساعدة الطبية راميد،التأمين الإجباري عن المرض …) و لم تمكن بلادنامن محاربة حقيقية للفقر والتهميش، بل أحينا فإن سوءالحكامة و التدبير يجعلها أوراش لتبذير المال العمومي ، في غياب شبه كلي للرقابة المالية والإدارية ،وعدم تتبع هذه الأوراش ومواكبة إنجازها بشكل صارم وفعال تطبيقا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه دستور البلاد .
فقد تم إنفاق أموال طائلة على مشاريع مغشوشة،الشيء الذي جعل التصنيف الأخير للأمم المتحدة بخصوص مؤشر التنمية البشرية لسنة 2018، يضع بلادنا في المركز 123 من أصل 189 دولة شملها التصنيف،
السيد رئيس الحكومة المحترم:
بالرغم من عقود من المشاريع والبرامج والخطط الممولة بميزانيات هائلة، لم تستطع الدولة عبر حكوماتها المتعاقبة تحقيق تنمية حقيقية تتماشى مع الأهداف الكبرى لبلادنا والمتمثلة في مكافحة الفقر في الوسط القروي والقضاء على الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري ومحاربة الهشاشة، ضمانا لمستوى عيش كريم للشعب المغربي، في غياب تام للاتقائية البرامج كما أكد على ذلك المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير، حيث نسجلاتساع دائرة الفقر وتكريس مظاهره وترسيخ آليات التفقير، والحصيلة إنتاج فئة منتفعة تنعم بالحصانة السلطوية والاغتناء الفاحش من المال العام، وغالبية الفئات الأخرى تكتوي بنار التهميش والإقصاء الاجتماعي والتفقير والتجهيل.
لذلك فإننا في الاتحاد المغربي للشغل عازمون علىالتصديللسياسات الحكومية اللاشعبية واللاديمقراطية، والمتجسدة في الهجوم الممنهج على القدرة الشرائية لعموم الجماهير الشعبيةسواء في المدن أو العالم القروي ومن بينهم العمال الفلاحيون والزراعيون،ونطالبكمالسيد رئيس الحكومة بتحسين أوضاعهمالمادية والاجتماعية لإخراجهم من براثن الفقر والهشاشة التي عمرت في العالم القروي لعقود.
كما نطالبكم بوضع مخططات جهوية للاستثمار تهم الفئات الفقيرة بالعالم القروي تمكن من جلب الاستثمار وخلق فرص الشغل باعتماد مقاربة تشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين.
ونطالب كذلك الحكومة بتبني مقاربة شمولية للإصلاح الاقتصادي عوض اعتماد إصلاحات قطاعية معزولة، وإعادة النظرفي تدبير بعض الأوراش الاقتصادية والبرامج الاجتماعية، والحسم في نوعية الاستراتيجية الموجهة لمحاربة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية، وتدبير ديمقراطي لجولات الحوار الاجتماعي وإعادة النظر في العرض الحكومي الهزيل الذي لا يرقى لانتظارات عموم المأجورين،ولن يُمَكِّنَ بالصيغة التي جاءت في العرض الحكومي من تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية، في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية تتميز بارتفاع الأسعار وتجميد الأجور،
على الحكومة، استشرافا للمستقبل، العمل على القيام بنقلة نوعية في المسار التنموي لبلادنا عموما وبالعالم القروي على وجه الخصوص، والانكباب بكل جدية من أجل البحث عن التدابير والحلول العاجلة للتفاعل مع مطالب المواطنين ، من شغل يضمن لهم الكرامة ،وتعليم جيد لأبنائهم ، وحماية اجتماعية تمكنهم من العيش الكريم، والولوج إلى الخدمات الأساسية من تطبيب وسكن ولعلأسمى أشكال الحماية الاجتماعية هي التي تأتي عن طريق خلق فرص الشغل المنتج والضامن للكرامة، وأنه لا يمكن توفير فرص الشغل إلا بإحداث نقلة نوعية في مجالات الاستثمار بالعالم القروي، ودعم القطاع الإنتاجي الوطني وحماية حقوق الطبقة العاملة ،و التنزيل السليم للسجل الاجتماعي ضمانا للاتقائية البرامج وفعاليتها في محاربة الفقر .