مداخلة السيدة المستشارة البرلمانية فاطمة الزهراء اليحياوي خلال الندوة التي عقدها البرلمان العربي تحث عنوان “نحو بناء استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافي” بمقر جامعة الدول العربية يوم الإثنين 17 يونيو 2019.
السيد الرئيــــــس المــحترم
السيدات والسادة الحضور الكرام
يشرفني أن أتناول الكلمة باسم لجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة بمجلس المستشارين بالبرلمان المغربي، لمناقشة الأسس والأهداف والأحكام التي ينبغي تضمينها في الاستراتيجية العربية من أجل بناء موقف وسياسة عربية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافي.
ولا داعي للتذكير أن المملكة المغربية سلكت دوما سياسة تنبني على الانفتاح على محيطها وإرساء علاقات تعاون مثمرة، بحكم موقعها الجغرافي المتميز، وقد تعزز هذا التوجه من خلال نهج سياسة الانفتاح الاقتصادي التدريجي، مما مكن المملكة المغربية من إبرام اتفاقيات للشراكة والتبادل الحر مع مجموعة من البلدان، ومن تكثيف شبكة الشراكات مع المؤسسات الدولية. ويندرج كل هذه ا في إطار المبادرات وسياسات التعاون التي يقودها جلالة الملك محمد السادس مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة من أجل تعزيز الاستفادة من الفرص التي يتيحها موقع المملكة المغربية الاستراتيجي، وعمقها الإفريقي وانتمائها العربي. وتعتبر العلاقات الثنائية المغربية مع الدول العربية متينة، تؤطرها معاهدات الصداقة والتعاون وحسن الجوار التي تجمع المغرب بهذه الدول. كما تشكل فرصة سانحة لتعزيز علاقات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي.
وكما لا يخفى عليكم، فمن الصعب الحديث عن العلاقات العربية مع الدول والتجمعات الإقليمية والقارية ودول الجوار موضوع الندوة: (الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية التركية دول الجوار الافريقي ودول الجوار الأوروبي) بحكم التطورات المتسارعة والمتعددة في هذه العلاقات، وهذا ما أكدته مداخلات الأساتذة قبل قليل.
هذه العلاقات التي تحظى بأهمية كبرى في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، وتربطنا بالدول المكون لها شراكات شاملة واستراتيجية، إضافة إلى الروابط الاقتصادية والتجارية، وعمليات الاستثمار، وكذلك بالنظر إلى البعد الإنساني، حيث تقطن بالعديد منها جالية مغربية تقدر بالملايين.
علاقة المغرب مع الجوار الأوروبي
لقد استثمر المغرب في تطوير علاقاته مع الاتحاد الأوروبي منذ ما يقارب من خمسة عقود، وأصبح يتمتع اليوم بشراكة متميزة ومتعددة الأبعاد، بحيث تعد نموذجا للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وجواره الجنوبي.
المغرب والاتحاد الأوروبي أبرما عدة اتفاقيات وبروتوكولات سمحت بتوسيع التعاون الثنائي في عدة مجالات: الفلاحة، الصيد البحري، التعاون العلمي والتقني، تسوية النزاعات التجارية.
كما اتفق الطرفان بخصوص الحوار السياسي على تبني حوار منتظم، يسمى الحوار السياسي المعزز، حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، وحل النزاعات.
ولقد تمت الإشادة غير ما مرة بالدور الريادي للمملكة المغربية في المنطقة وبدينامية الانفتاح والتطور التي تشهدها، وكذا بالدور المحوري الذي تضطلع به بلادنا على المستوى الاتحاد الأوروبي. وكما أشادت بالمقاربة المغربية الرائدة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالدور الريادي للمغرب في محاربة الغلو والتطرف من خلال مقاربة شاملة وفي سياق يعزز الإسلام الوسطي السمح المتشبع بقيم الاعتدال والتسامح.
العلاقات المغربية مع الجوار الإفريقي:
عرفت الدبلوماسية المغربية في إفريقيا تطورا لافتا خلال السنوات الأخيرة، وذلك في إطار إعادة رسم السياسة الإفريقية للمملكة من أجل إعطاء التعاون جنوب-جنوب، ببعده الإنساني والتضامني، مدلوله الحقيقي القائم على تعزيز الروابط التاريخية العريقة مع القارة الإفريقية.
وقد جعل المغرب من قضايا التنمية في إفريقيا أولوية أساسية في نشاطه الدبلوماسي داخــل مختلف المحـافل الإقليمية والدولية مطالبا المجتمع الدولي بوضع برنامج تنموي طموح لصالح إفريقيا.
فقد اتخذت المملكة المغربية العديد من المبادرات من أجل تقوية التعاون والتضامن والعمل المشترك لمواجهة التحديات المرتبطة بالأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، وعلى رأسها القرصنة البحرية والجريمة عبر الوطنية والهجرة السرية، وتأمين منطقة الساحل والصحراء.
العلاقات المغربية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
إن المتتبع لتطور العلاقات المغربية-الإيرانية في الوقت المعاصر، يلاحظ الطابع المميز الذي طبع العلاقة بين البلدين، فتأخذ العلاقة تارة التوافق والتعاون، والقطيعة والتصعيد إلى أبعد الحدود تارة أخرى، حيث عاد المغرب وإيران إلى استئناف العمل الدبلوماسي بين البلدين سنة 2014 بعد قطيعة دامت 5سنوات.
وعاد ت العلاقات المغربية الإيرانية للتوتر مجددًا سنة 2018 حيث قررت الرباط قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بسبب التورط الإيراني الواضح في المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية.
التضامن مع القضايا العربية والإسلامية
يعد التضامن العربي والوحدة العربية من المصالح الوطنية الاستراتيجية للمملكة المغربية، وقد دافع المغرب على الدوام، من موقع وزنه الروحي والسياسي، وبصفته رئيسا للجنة القدس منذ يوليوز 1975 عن قضايا العالم الإسلامي وحـرمة الأماكـن الإسلامية المقدسة، وتبنى الدفاع عن الرسالة العربية القومية والتي جوهرها، من خلال الدفاع عن القضية الفلسطينية، وعروبة القدس وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وقد عبرنا من خلال بلاغات مجموعة الصداقة والتعاون المغربية الفلسطينية بمجلس المستشارين المغربي التي أتشرف برئاستها، على تضامننا المطلق واللامشروط مع قضية الشعب الفلسطيني. ونؤكد مرة أخرى أننا مستعدون للعمل سوية من أجل تحقيق حلم تحرير الوطن العربي من الهيمنة والنفوذ الأجنبيين، وكذلك العمل من أجل التوافق العربي في كل القضايا العالقة.
وفي هذا الإطار فنحن مطالبون بتفعيل مؤسسات منظمة التعاون الإسلامي ووضع الأسس القوية لشراكة عربية مندمجة وبناء نظام جماعي حيوي يهدف إلى تطوير آليات العمل العربي المشترك، نظام متجدد وفعال، يوفر الشروط الموضوعية للتعاون البيني وتشجيع الاستثمار وتأهيل الاقتصاد والإنسان العربي وتحسين أدائه، نظام حديث كفيل برفع تحديات العولمة والانخراط في مجتمع المعرفة والاتصال، وتكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، في مراعاة لخصوصيات ومقومات كل بلد وشعب بإرادته المستقلة وحسب وتيرة تطوره.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته