مداخلة فريق الاتحاد المغربي للشغل
لمناقشة عرض رئيس الحكومة
حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي
السيد الرئيس؛
السيد رئيس الحكومة؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
إننا في فريق الاتحاد المغربي للشغل، تقديراً لمسؤولية منظمتنا الدستورية وأدوارها التاريخيةوالتزامها بالدفاع عن الطبقة العاملة ومصالحها الماديةوالمعنوية، بعيدا عن الحسابات السياسيوية الضيقة.
ونحن نقف على ما تفضلتم بتقديمه أمام مجلسنا بالتزام منظمتنا المعهود، وبالموضوعية التي تقتضيها اللحظة الدستوريةالمتميزة، كنا نأمل أن تفاجئنا الحكومة بحصيلة قادرة على إخراج بلادنا حقيقة من عنق الزجاجة على جميع المستويات السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، أوأضعف الإيمان أن تعمدوا في تقريركم إلى قول الحقيقة كاملة. وتؤسسوا حصيلتكم المرحلية على معطيات تحظى بالمصداقية، معطيات ذات حمولات حقوقية اقتصادية واجتماعية، تترجم الواقع المعيش لفئات عريضة من الشعب المغربي، ونتائج تفصح بجلاء عن رؤيا مستقبلية تبعث الأمل وتشحد الهمم لمواجهة التحديات بعزم وثبات.
إلا أنكم آثرتم مرة أخرى، اللجوء إلى الأرقام المجردة في ظاهرها، والملغومة في غالب الأحيان، والمساحيق التجميلية، لتلميع حصيلة لا تقطع مع الاستمرارية، وأحيانا مع هذيان التدبير السابق، وتغض الطرف عن الأزمات التي تطبع التدبير الحكومي، بدءاً بأزمة قطاعات استراتيجية، مرورا بأزمة اجتماعية خانقة، وصولا إلى أزمة ثقة في مؤسساتنا وفي قدرة بلادنا على إبداع مشروع مجتمعي مدمج يضمن العدالة الاجتماعية والمجالية، ويؤهلها للالتحاق بركب الدول الصاعدة.
فما تفضلتم بعرضه على أنظار مجلسنا، حصيلةً تفتقد للمقومات المنهجية، والموضوعية، والسياسية، لا تعدو أن تكون تقريرا قطاعاتيا لمجموعة من الإجراءات وإن كان بعضها إيجابيا، إلا أنها معزولة، تفتقد للخيط الناظم وللمسة السياسية، وينتفي فيها شرط الالتقائية كأهم عنصر لنجاعة السياسات العمومية، وضمان آثارها على المواطنين والمواطنات.
إن استكانة الحكومة إلى برامج وإجراءات مرتجلة، بل متعارضة أحيانا، لتنم عن مدى ارتباكها في تحديد الأولويات، وعن فشلها في إخراج المغاربة من حالة الإحباط والانتظارية، وعجزها بث الأمل في نفوس الشباب خاصة ممن فقدوا الثقة في السياسات الحكومية وقدرتها على تحقيق مطامحهم في العيش الكريم، مفضلين ركوب قوارب الموت في رحلتهم نحو السراب بعد انسداد الأفق.
السيد رئيس الحكومة؛
لا شك أن تخلف الحكومة عن وعودها في محاربة الفقر و الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، والتقليص من الفوارق المجالية، وفق مقاربة تعتمد المواثيق الدولية المتعارف عليها، و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والبيئية المنصوص عليها في دستور البلاد وتحديدا الفصل 31 ، كان السبب المباشر في انطلاق الاحتجاجات الجماعية السلمية بالحسيمة، جرادة، زاكورة وتنغير، وغيرها من المناطق المهمشة، تتحمل فيها الحكومة مسؤولية التداعيات و الانفلاتات الأمنية، و المحاكمات المؤلمة، كما تتحمل مسؤولية نكرانها لفضيلة الحوار الاجتماعي، و الإضعاف الممنهج لمؤسسات الوساطة. إذ لا يكفي الإقرار اللفظي بأهمية المقاربة التشاركية، والاستعمال الأجوف لمفهوم سياسة القرب، دون الارتقاء بهذه المفاهيم إلى قواعد وممارسات تهيكل التدبير الحكومي وتضمن له فرص النجاح عبر الانخراط الواعي للفاعليين، والمعنيين بالسياسات العمومية.
وتفاعلا مع بعض المحاور التي وردت في معرض حصيلة حكومتكم على ضوء البرنامج الذي التزمتم بتنفيذه أمام مجلسي البرلمان خاصة المحورين الثالث والرابع، فإن الطموح الذي عبرتم عنه إبان تقديمكم البرنامج الحكومي، بإلحاق بلادنا بركب الاقتصاديات الصاعدة، سيبقى حلما طوباويا، مالم تستطع الحكومة نهج سياسة اقتصادية استباقية، و نشطة تعيد الارتباط بالتصنيع، و تعزز نقل التكنولوجيا و تشجع البحث العلمي لضمان انخراط الكفاءات والفعاليات الوطنية في المجهود التنموي، و بالتالي، تمكن بلادنا من مقومات المناعة، بعيدا عن الوصفات الجاهزة للمؤسسات المالية الدولية بمقارباتها المحاسباتية، مقابل إغراق بلادنا بالمديونية التي أصبحت ترهن مصير المغاربة، (65% من الناتج الداخلي الخام بالنسبة لمديونية الخزينة و82,2% إذا ما أضفنا مديونية المؤسسات العمومية والجماعات الترابية) وهي مؤهلة للارتفاع حسب المندوبية السامية للتخطيط.
هذا، دون أي آثار إيجابية على الحياة اليومية للمغاربة، وكأن بلادنا في برنامج تقويم هيكلي مستمر.
وفي مجال آخر، التزمت حكومتكم بوضعه ضمن أولوياتها، ألا وهو التشغيل، باعتباره أهم رافعة للتنمية البشرية، ومحاربة الفقر والهشاشة في الوسطين الحضري والقروي؟ فاسمحوا لي أن أسجل هزالة المحصلة الحكومية. وعجزها عن تقليص نسبة البطالة إلى 8.5 % المتوقعة في البرنامج الحكومي لتفوق 10% . أو لربما تفضلون مؤشر نسبة التشغيل بدل البطالة؟ فهي بدورها لا تتجاوز 40,5% في الوقت الذي يصل هذا المعدل إلى 60% في الدول الصاعدة وتسجل دول الجوار معدلات تفوق بلادنا.
وفي ظل عجز الاقتصاد المغربي تحقيق نسب نمو مهمة، حيث لن تتجاوز 3%في أفق 2021، حسب البنك الدولي، بعيدا عن توقعات البرنامج الحكومي 4,5 -5,5 %، يبقى الاقتصاد المغربي عاجزا عن استيعاب المعطلين والوافدين الجدد لسوق الشغل، والبالغ عددهم 1.168.000 عاطل، بمعدل 000 370 سنويا، يحظى فيها حاملو شهادات التعليم العام وحاملو شهادات التكوين المهني بالنسب الأكثر ارتفاعا: حوالي 48% و 17% على التوالي، حسب المندوبية السامية للتخطيط. في ظل العجز الحكومي عن استثمارهم للتأسيس لإقلاع اقتصادي حقيقي ونهج سياسة تنموية مندمجة، يتلاءم فيها التكوين مع التشغيل. والأدهى أن لا شيء يوحي بتغيير هذا المنحى حسب المندوبية.
وتبقى البرامج النشيطة للتشغيل، رغم كل الامتيازات والتحفيزات المقدمة للمقاولات في إطار النفقات الجبائية، جد محدودة المفعول وغير قادرة على امتصاص جحافل المتخرجين من المتعلمين، بل يتم اجترار بعض البرامج رغم عدم جدواها، في ظل غياب المتابعة وتقييم الفعالية والآثار على سوق الشغل.
فبالنسبة لتسجيل 102 581 مقاول ذاتي. هل تكبدت الحكومة عناء تتبع اشتغالهم على أرض الواقع، أم أن الأمر لا يتعدى مسطرة التسجيل بالمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية؟
ماهي النتائج الأولية للمخطط الوطني للنهوض بالتشغيل 2017-2020 وتوقعاته على المدى المتوسط؟
تحدثتم عن خلق 405.496 منصب شغل لكنكم تحاشيتم الحديث عن مناصب الشغل التي فقدها القطاع الصناعي، فما عدد مناصب الشغل الصافية؟ وما هيالإجراءات العملية التي تعتزمون اتخاذها لإعادة تأهيل من فقدوا شغلهم نتيجة التسريحات الجماعية والإغلاقات؟
ما هي الإجراءات المتخذة لوضع حد للانخفاض المقلق لنسبة التشغيل ضمن النساء الذي لا يتجاوز 25%؟ هل من المعقول أن تلج النساء سوق الشغل بنسبة أقل من أواخر التسعينيات؟ والعالم كله يدفع في اتجاه إدماج المرأة في الاقتصاد؟
هل من تتبع لخريجي التكوين المهني؟ علما بأن نسبة الإدماج في سوق الشغل تبقى جد محدودة؟ وما هي القطاعات المشغلة؟ ومواصفات المناصب التي يشغلها أولئك المتخرجين هل تتوفر على مقومات العمل اللائق؟
أم أن وراء الأعداد المؤثثة للحصيلة، توسيعا لرقعة العمل الهش حيث الخرق السافر للحقوق الأساسية للعمال؟
إن إصلاح منظومة التكوين المهني أصبح يكتسي طابع الاستعجالية، بعد ملحمة مشروع القانون 60.17، المتعلق بالتكوين المستمر، وتقديم استراتيجية جديدة تعتمد اللاتمركز والامتياز، بخلق مدن المهن والكفاءات بالجهات 12. وبهذا الصدد، وحيث أن التكوين المهني يشكل مجالا اجتماعيا بامتياز، لكونه رافعة لتنمية الكفاءات ومصعدا اجتماعيا بالنسبة للعمال، فلابد من الحفاظ على حكامته المتميزة، أي الثلاثية الأطراف كما تنص عليها اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وعن مجال توسيع الحماية الاجتماعية؟
لقد تم إصدار نظام التغطية الصحية ونظام معاشات للمستقلين بمقتضى القانون 99.15، ولسرعان ما عمدتم لاحتسابهما ضمن منجزات الحكومة، لكن هل تعلمون أن الحكومة وضعت العربة أمام الحصان، فلجأت للتشريع دون تصور واضح، واستراتيجية استباقية للتمويل وللتطبيق، بل حتى لتحديد وتنظيم فئات الخاضعين للنظام، علما أنها فئات مختلفة وغير متجانسة. بهذه المنهجية الغير عقلانية، تكونوا قد حكمتم مسبقا بمحدودية مفعول هذا النظام. وهو ما يكرسه تعثر الحكومة في إخراج النصوص التطبيقية.
وفي انتظار ذلك، يظل هدف 12 مليون مستفيد من التغطية الاجتماعية من غير الأجراء، رقما للدعاية الانتخابية ليس إلا. والأدهى أنكم عازمون على تكريس نفس المنهجية لتوسيع التغطية الصحية للوالدين، دون دراسة أكتوارية لتحديد الآثار على توازنات الصندوق المغربي للتأمين الصحي، و دون إشراك الفرقاء الاجتماعيين، عازمون في الواقع، أن تأخذوا باليد اليسرى ما أثمره الحوار الاجتماعي و محملين الموظفين مسؤولية فشل الحكومة في إرساء نظام للحماية الاجتماعية الشاملة.
السيد الرئيس؛
إن اعتماد الحكومة توصيات المؤسسات المالية بتقليص كتلة الأجور والتوجه نحو الخوصصة وتفكيك المرافق العمومية، كرس الهشاشة في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والإدارة بشقيها المركزي والترابي، دون أن نستطيع تحسين تصنيف بلادنا في مؤشر التنمية البشرية الذي لا زال يراوح مكانه في الرتبة 123 بعد الجزائر وعدد من الدول العربية حتى التي تعاني من عدم الاستقرار. والسبب: العجز الاجتماعي البنيوي: 53% النسبة العامة للأمية، 76%، للأمية وسط الإناث. وفي الصحة: طبيب واحد لكل 1038 و000 57 موظف وموظفة بقطاع الصحة. وهما في حد ذاتهما مؤشران عن مدى الشح البنيوي في الموارد البشرية بقطاع بالغ الأهمية يستوجب اعتراف الدولة بخصوصيته، في إطار سياسة وطنية للصحة، كما دعت إلى ذلك جامعتنا الوطنية للصحة.
أبمثل هذه المؤشرات سنتمكن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ على أي أساس بنيتم تفاؤلكم المفرط؟
عدد الملفات الشائكة أو مدى الاحتقان الاجتماعي لفئات عريضة من الموظفين والموظفات، ممن فرض عليهم التعاقد، إلى ضحايا النظاميين وأصحاب الزنزانة 9 إلى ملف الإدارة التربوية والمساعدين الإداريين والتقنيين إلى حاملي الشهادات والمتصرفين والمحرومين من الترقية خارج السلم إلى العاملين بشركات المناولة في الحراسة والنظافة، أو الممرضين وأطباء القطاع العام وطلبة الطب؟
مؤشر أيام الإضراب؟ أو بالأحرى أيام التدريس ونحن لم نطمئن بعد، على مآل السنة الدراسية؟ أو العجز المهول في العرض الصحي؟
لقد باتت الحكومة تتعامل بارتباك واضح مع الملفات المجتمعية الكبرى. فكيف ستتعاطى مع إصلاح منظومة التعليم والتكوين، وتنزيل ما يسمى بالرؤية الاستراتيجية 2015-2030 في غياب مقاربة تشاركية حقيقية مع الفرقاء الاجتماعيين تضع العامل البشري في صلب الإصلاح؟ وكيف ستعمل الحكومة على إخراج قانون إطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، يقر بالمجانية ويضمن الانفتاح، وتكافؤ الفرص، بعيدا عن التجاذبات السياسيةوالأيديولوجية.
السيد الرئيس؛
إن الاتحاد المغربي للشغل تقديرا منه للمرحلة، وبعد تحليله للوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انخرط في الاتفاق الثلاثي الأطراف ل 25 أبريل 2019، بعد عقد العديد من الجولات للحوار الاجتماعي وبعد تحسين العرض الحكومي. وإذا كان هذا الاتفاق قد شكل استجابة جزئية لمطالب الطبقة العاملة، على مستوى تحسين القدرة الشرائية بالزيادة في الأجور ورفع التعويضات العائلية، إلا أن العديد من المطالب المشروعة لم تستسغها الحكومة بعد، كتخفيض العبء الضريبي على الأجور بإصلاح الضريبة على الدخل، فلا يعقل وليس من الإنصاف أن تراهن خزينة الدولة، بالأساس على دخول المأجورين التي تشكل 73% من موارد الضريبة على الدخل، لتبقى غيرها من الدخول تستفيد من ترهات القانون لتقزيم مساهمتها ضدا على المبدأالدستوري!
فلا مناص من إصلاح ضريبي شمولي لكل المكونات الجبائية، سواء المتعلقة بتضريب الدخل أو الاستهلاك،أو الرأسمال، في إطار الإنصاف بهدف تحقيق العدالة الجبائية. ولا مناص من مباشرة إصلاحات أخرى بإشراك الفرقاء الاجتماعيين، إصلاحات تحافظ على القدرة الشرائية للعمال والفئات المستضعفة وتقطع مع كل أشكال الفساد والريع والاحتكار غير المشروع،كنظام المقاصة والتقاعد، والاقتصاد التضامني…، ولا مناص من إطلاق الحوارات القطاعية التي لازالت تراوح مكانها.
إن الاتحاد المغربي للشغل باعتباره جزء لا يتجزأ من القوى الديمقراطية، والتقدمية، ليسجل بالرغم من إصلاح العدالة، استمرار التراجعات على مستوى الحريات العامة، كحرية التظاهر السلمي والاحتجاج واستمرار انتهاكات الحرية النقابية التي لم تحظ بموقع قدم ضمن عرضكم، علما أن تعزيز الحرية النقابية وحماية الممثلين النقابيين لا تحتاج إلى ميزانية، بقدر ما تتطلب الإرادة السياسية لتفعيل المبادئ الدستورية والتزامات بلادنا الدولية بإقرار دولة الحق.
وسيواصل الاتحاد المغربي للشغل دفاعه عن حق الطبقة العاملة والفئات المحرومة من الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية اللتين بدونهما يستحيل وضع بلادنا على قاطرة التقدم والتنمية المستدامة.