أخواتي، إخواني،
في مثل هذا اليوم من كل سنة، نكون على موعد مع الطبقة العاملة، لنحتفل بفاتح ماي، عيد النضال العمالي العالمي، من أجل تكسير سلاسل الاستغلال، وقهر الاحتكار، وشحن هِمم الكادحين ليتمكنوا من كسب معركة رفع كل أشكال التحديات..
في هذا العيد العمالي، لا تكتفي الطبقة العاملة بالجهر بمطالبها وآمالها، بل، تعبر فيه ايضا عن رؤيتها للمشاكل التي يعيشها المغرب، سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا … كل هذا في، مشهد احتفالي/ استعراضي هائل، ينبعث فيه عزم الحركة النقابية على مواصلة الكفاح، دون تردد أو كلل، لحماية حقوق العمال، وصون مكتسباتهم، وللنضال من أجل مجتمع الحرية، والديمقراطية الحقة، والكرامة العمالية والإنسانية، مغرب، تصان فيه حقوق الإنسان، وتعلو فيه قوة القانون.
أخواتي، إخواني،
نخلـد فـاتح مـــاي هـذه السنة، بعيد انعقاد المؤتمـر الوطني الثـاني عشر لمنظمتنا، وذلك أيـام 15-16-17 مارس 2019، والذي صادف مرور 64 سنة على تأسيس الاتحاد المغربي للشغـل في 20 مارس 1955.
لقد شكل المؤتمرالوطني الأخير لحظة مفصلية في تاريخ منظمتنا، إذ:
- خرج منه الاتحاد أكثر قوة وتماسكا، بفعل الإجماع الحاصل في مختلف أشغال ورشاته الدستورية، ولجانه الموضوعاتية، وفعالياته الموازية.. مما يدل على أن الاتحاد المغربي للشغل، صف واحد موحد، قوة اجتماعية، سليمة، متماسكة، متجانسة، متضامنة، محصنة وعازمة على مواصلة النضال الواعي ضد الاستغلال والاضطهاد، وضد كل محاولات التفكيك والاستهتار بحقوق العمال، والتنكر لحريتهم النقابية.
- خلال هذا المؤتمر أبرز الاتحاد قدرته على طرح البديل الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي، بمنظور عمالي وشعبي، وذلك، مساهمة منه، لإخراج البلاد و العباد من الأزمة البنيوية الخانقة، و المعقدة التي آلت إليها البلاد، جراء الاختيارات الحكومية اللاديمقراطية واللاشعبية… كما قدم رؤيته للنموذج التنموي الذي يقطع مع الاختيارات الليبرالية المتوحشة، ويقوم على خلق الثروة والقيمة المضافة، وتوزيعها بشكل عادل على جميع المغاربة، ويجعل حدا للاحتكار، والاستغلال الطبقي… واعتبر ان المشروع المجتمعي المنشود يفترض قيام الديمقراطية الحقة، وتحقيق المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المغاربة، واحترام حقوق الانسان وحقوق العمال، والسهر على ضمان الحريات الفردية والجماعية، وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، والتنظيم، والصحافة، والاحتجاج السلمي.. مجتمع، تحترم فيه الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والبيئية…
أخواتي، إخواني،
لقد اختار الاتحاد، بوعي ومسؤولية، تخليد فاتح ماي 2019، تحت شعار:
“جميعـا من أجل حـماية الحـريات النقابية“
لم يولد هذا الشعار من فراغ، أو أتى عبثا أو صدفة. ومما لا ريب فيه، انكم تتذكرون جيدا أن الاتحاد المغربي للشغل، خاض معركة الدفاع عن الحرية النقابية منذ النشأة وجعل من سنة 2013 عاما للمطالبة بإلغاء الفصل 288 المشؤوم. ولم تمر سنة دون ان يخصص فيها الاتحاد، فترة للاحتجاج، والتنديد بالانتهاكات الجسيمة التي تطال الحرية النقابية، أي الحق في التنظيم، وفي الحوار الاجتماعي، والتفاوض الجماعي، والحق في الاضراب والاحتجاج … ونخص بالذكر هنا على سبيل المثال، لا الحصر، الحملة الوطنية ضد الهجوم على الحرية النقابية التي امتدت من 10 فبراير الى 10 مارس 2018.
أخواتي، إخواني،
إن الاتحاد المغربي للشغل، لا يبالغ حين يعلن، كل مرة، أن عنف وشراسة الهجوم المعادي للعمال، وتوسعه يشمل مختلف المستويات والمجالات. انه يدرك جيدا أن هذا الهجوم، موجه أساسا ضد الحركة النقابية المغربية المستقلة والديمقراطية، باعتبارها القوة الاجتماعية المنظمة والقابلة للتنظيم، القادرة على مواجهة كل المشاريع الحكومية التراجعية، المملاة من قبل المؤسسات المالية والتجارية الدولية، وبشكل أساسي، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. إنه الهجوم الذي استهدف الحق في التنظيم النقابي، وفي الحوار الاجتماعي، والتفاوض الجماعي، والتشاور الثلاثي، وفي حق الاضراب، والتجمع، والاحتجاج والتظاهر السلمي، والحق في الحماية الاجتماعية والتقاعد اللائق، والتغطية الصحية، وفي العمل القار.
فلا غرابة إذن أن تجهز الحكومة الحالية، بنسختيها، القديمة/ الجديدة، على الخدمة العامة، وتعمل على تفكيك الوظيفة العمومية، خاصة بقطاعي التعليم والصحة، وذلك عبر فرضها للعمل بالعقدة في أكبر قطاع استراتيجي، زيادة على إدخال المعايير المعتمدة داخل المقاولة، في مجالات التشغيل، والترسيم، والترقي، مع أعمال المرونة في أقصى درجاتها.
وبهذه المناسبة العمالية، يسجل الاتحاد، من جديد، استمرار الانتهاكات الخطيرة للحرية النقابية بالمغرب، بمرأى ومسمع من السلطات الحكومية، بل بتواطؤ مكشوف معها، مما يعرض المسؤولين والمناضلين النقابيين للملاحقات والاعتقالات، والطرد، والسجن، والتعنيف، لمجرد ممارستهم لحقهم الدستوري، بتأسيس مكتب نقابي، أو تجديده، أو تقديم ملف مطلبي، أو لمجرد المطالبة بتطبيق بنود مدونة الشغل. وبشكل خاص الحد الأدنى للأجر، والتصريح بأيام العمل الفعلية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو التأمين عن حوادث الشغل.
لقد أصبح العمل النقابي مجرما في الكثير من القطاعات والمؤسسات الانتاجية، وفي المناطق الصناعية الحرة. نذكر هنا على سبيل المثال حالة شركات في المنطقة الصناعية الحرة بطنجة التي طردت المسؤولين النقابيين، مباشرة بعد تأسيسهم لمكاتب نقابية في إطار الاتحاد المغربي للشغل. ليتعرض العمال لتدخل قمعي خلال اعتصامهم، ويحاصر مقر الاتحاد بطنجة، لمنع العمال من ولوجه… وتقف السلطات العمومية موقف المتفرج في حياد سلبي، يخفي في طياته التواطؤ مع أرباب العمل، وقد ابتدعت السلطات العمومية أساليب جديدة لمحاربة العمل النقابي، عبر التماطل، والتسويف في تسليم وصولات الإيداع، رغم استيفاء الملفات للشروط القانونية، و يتم رفض تسليمها دون مبرر قانوني بل في خرق سافر للحرية النقابية ولدستور البلاد…
أخواتي، إخواني،
يجدد الاتحاد التأكيد على أن الحرية النقابية جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان الأساسية، ومرتبطة بشكل متين بالحريات العامة، وبالمبادئ والقيم الديمقراطية، بل بالمجتمع الديمقراطي. وعلى الحكومة وأرباب العمل أن يعلموا أن الحق في التنظيم النقابي، وفي الاضراب والاحتجاج.. لم يأت مِنّة من أحد، أو جهة ما، بل انتزعته الطبقة العاملة انتزاعا إبان الاستعمار، وقدمت في سبيل إقراره تضحيات جسام، بلغت حد الاستشهاد، إلى أن فرضته فرضا، وأضحى متضمنا داخل المواثيق والعهود الدولية، والتشريعات الوطنية، وفي مقدمتها الدستور المغربي… كما اقرت الهيئات الدولية، وعلى رأسها الامم المتحدة، أن، لا تنمية دون ديمقراطية، ودون احترام الحرية النقابية، وإشراك الحركة النقابية في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، واعتبرت ذلك شرطا أساسيا للاستقرار الاجتماعي والمجتمعي، وللتنمية المستدامة.
فأين العقل الحكومي من كل هذه الترسانة القانونية والتشريعية؟
يتضح أن الخلاف بيننا وبين الحكومة وأرباب العمل جوهري، ويتعلق بمستقبل العلاقات المهنية والوطن. فبقدر ما تعتبر الطبقة العاملة أن مصلحتها مرتبطة بمصلحة الوطن، بتنميته وباستقراره، وبالحفاظ على توازناته وتماسكه… وأن هذا يتطلب وجود أطراف اجتماعية، ذات مصداقية، وتتوفر على إرادة سياسية حقيقية لخدمة المصلحة العليا للوطن والمواطنين، بقدر ما تسعى الحكومة وأرباب العمل إلى اضعاف الحركة النقابية، اعتقادا منها، أنه السبيل الامثل لتحقيق أهدافها الفئوية، أو الطبقية…
إنها العقلية التي أدت إلى الوضع الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي الحالي، والى فشل النموذج التنموي المعتمد، وإلى المزيد من الإقصاء والتهميش، وتعميق الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية، وارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، وضرب التماسك الاجتماعي والمجتمعي، وتهديد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
أخواتي، إخواني،
متى ستدرك الحكومة، ومعها أرباب العمل، أن لا عنف الهجوم المعادي للعمال، ولا مختلف المحاولات التي تسعى إلى إضعاف الحركة النقابية، عبر انتهاكات صارخة للحرية النقابية، ومصادرة الحق في الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي، ولا التضييق على الحق في الإضراب والاحتجاج، لمدة سبعة سنوات خلت، تمكنت من ثني الاتحاد المغربي للشغل على مواصلة النضال الاجتماعي والسياسي، لفرض الاحترام والكرامة، ولحماية وصون الحريات، والحقوق والمكتسبات؟
ألم يفهموا بعد أن هذه العوامل مجتمعة، زادت الاتحاد، عزما وإصرارا، على المزيد من الصمود والتحدي، دون ملل أو كلل؟ بل ان منظمتنا واصلت الضغط والنضال من أجل دفع الثنائي، حكومة/ أرباب العمل، إلى التفاعل الايجابي مع مطالبنا المشروعة، ورفضت العرض الحكومي السابق، واعتبرته استهتارا بالطبقة العاملة، وحركتها النقابية، ومخيبا لآمالها، سواء عبر استثنائه لعاملات وعمال القطاع الخاص، أو لهزالته والتمييز الذي طبع الزيادات الحكومية المقترحة في الوظيفة العمومية، ولإقصائه مستخدمي وأطر المؤسسات العمومية والشبه عمومية.
وبفعل مقاطعة الاتحاد لجلسات الحوارات الشكلية مع رئيس الحكومة، وعدم تزكيتها، وتصعيد نضالاته المتعددة المستويات، مهنيا، وجغرافيا، انتصرت إرادة العمال، وتمكنت من تحريك الجليد، والمياه الراكدة، وانتزعت، بعد سلسلة جولات حوار مع الدولة، عشية الخميس 25 أبريل 2019, اتفاقا جديدا، يلبي، جزءا من مطالبنا خاصة المتعلقة بالشق المادي، داخل القطاعين العام والخاص. هذا ما أكده بلاغ اللجنة الإدارية للاتحاد، ليوم 17 أبريل 2019, الذي اعتبر أن “العرض لا يرقى إلى تطلعات وانتظارات الطبقة العاملة المغربية، لكنه يشكل تقدما نحو الأمام، مقارنة مع عرض الموسم السابق، ومجرد مرحلة من أجل انتزاع المزيد من الحقوق والمكتسبات…”
إن الاتحاد، إذ يسجل هذا النصر الأولي، ويهنئ الطبقة العاملة بالمكتسبات التي جاء بها، رغم جزئيتها، فإنه يجدد التأكيد على أن العمال في معركة لا تنقطع، وأن مركزيتنا واثقة بانتزاع ما تبقى من مطالبها، عبر صيرورتها التنظيمية والنضالية، الخاصة، والمشتركة، مع مكونات الحركة ألاجتماعية والسياسية.
أخواتي، إخواني،
وبهذه المناسبة العمالية الخالصة، تعلن منظمتنا تضامنها مع مختلف الاحتجاجات ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، المنتشرة عبر ربوع الوطن، وتجدد رفضها لجوء الحكومة للمقاربة الأمنية والقمعية، وتعنيف المحتجين سلميا، كما وقع للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، الذين نجدد تضامننا معهم ومع عدالة قضيتهم، ويعتبر الاتحاد أن تجاوز الاحتقان الاجتماعي، يتطلب التعجيل بالاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للفئات والتعبيرات الاجتماعية والمدنية المختلفة، والتعجيل بإطلاق سراح معتقلي الحِراكات الشعبية بالحسيمة وجرادة وباقي المدن.
إن من شان الاستجابة الفورية لمختلف المطالب الفئوية والشعبية، المعبر عنها سلميا، أن توفر الأجواء المناسبة لتجاوز الشرخ الاجتماعي العميق، الذي أصبح يهدد التماسك الاجتماعي، والتوازنات المجتمعية، وان تخلق شروط تقوية الجبهة الداخلية، التي ستمكن المغرب من مواجهة مختلف التحديات.
أخواتي، إخواني،
يؤكد الاتحاد من جديد، أن الطبقة العاملة المغربية، ستستمر، كما فعلت من قبل، في تعبئتها الدائمة دفاعا على الوحدة الترابية للمغرب، مهما كلفها ذلك من ثمن، ويطالب باسترجاع المدينتين السليبتين، سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية. كما سيواصل لعب دوره التاريخي، للدفاع عن سيادة المغرب على أراضيه، في مختلف المناسبات والمحافل الإقليمية والدولية..
وباعتبار الاتحاد أحد المكونات الأساسية للحركة النقابية العالمية، وجزء لا يتجزأ من القوى الديمقراطية، والتقدمية، المناهضة للعولمة والليبرالية المتوحشة، ولنظامها العالمي الجديد، فإنه يجدد تضامنه مع نضالات عمال وشعوب العالم، من أجل عالم آخر بديل، خالي من الهيمنة والاحتكار والحروب، عالم تسوده العدالة الاجتماعية والسلام العالمي.
كما يعبر عن تضامنه مع عمال وشعب فلسطين، ويعلن رفضه للمخططات الأمريكية والصهيونية التي تهدف تصفية القضية الفلسطينية، واستنكاره لقرار نقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية إلى القدس، ويعتبر القضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية العرب الأولى، ويؤكد مساندته الكاملة للشعب الفلسطيني، إلى غاية قيام دولته الوطنية الديمقراطية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الفلسطينيين..
ومن جهة اخرى، يعبر عن تضامنه ومساندته للعمال والشعوب العربية التي تناضل ضد الفساد والاستبداد، دفاعا عن الحرية، والديمقراطية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية.
عاشت الطبقة العاملة
عاش الاتحاد المغربي للشغل