أخواتي، إخواني
نلتقي اليوم من جديد، لنحتفي بالفاتح من مايو 2017، بهذا الحدث العمالي العالمي العظيم، في أجواء مفعمة بالحماس والعزيمة والأمل…
نلتئم من جديد، نحن الطبقة العاملة المغربية بكل مكوناتها المهنية والقطاعية والمؤسساتية، عمالا – مستخدمين – موظفين – أطرا.. نساء ورجالا من مختلف الأعمار والأجيال في مختلف الأقاليم والجهات.
نحـتشد نحن أهم قوة اجتماعية منظمة، وقابلة للتنظيم، الحاملة لمشروع مجتمع بديل، خـال من الاستغـلال والقهـر الطـبقي، مجتمع ديمقراطي حداثي عادل ومتوازن… تسوده الحـرية، يضـمن احـترام حـقـوق الإنسان و في مقـدمـتها الحريات النقابية، تتحـقق خلاله العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل لثروات البلد، وينعـم فيه جـميع المواطنين بالكرامة الإنسانية وبكافة حقوقهم وحرياتهم التي تضمنها المواثيق الدولية و القوانين الوطنية، وعلى رأسها الدستور المغربي.
أخواتي، إخواني،
ليس صدفة، أن تخلد الطبقة العاملة المغربية تحت قيادة الإتحاد المغربي للشغل، فاتح ماي، هذه السنة تحت شعار :
“سنبـقى ملتزمين بقضايا الطبقة العاملة المغربية
سنظـل معبئـين للـدفـاع عن مطالبها وحـقوقها”
جاء اختيار منظمتنا لهذا الشعار نتيجة تقييم عميق ودقيق وشامل لتجربة سياسية/اجتماعية كارثية بامتياز، دامت خمس سنوات. واليوم تدل كل المؤشرات على استمرار نفس السياسات الحكومية المعادية للعمال والعاملات وحركتهم النقابية الحرة والمستقلة وأكبر دليل ذلكم التصريح الحكومي الهزيل للحكومة المنصبة.
شعار فاتح ماي هّذا العام هو بمثابة رسالة واضحة مفادها أنه، مهما كبرت الصعاب والعوائق، وتعددت المؤامرات والدسائس، وكثرت التحديات، فان منظمتنا ستبقى وفية لهويتها ومبادئها، ملتزمة بقضايا الأجراء والجماهير الشعبية، دائمة التعبئة من أجل حاضر ومستقبل الطبقة العاملة المغربية. إنه تعهد والتزام بيننا. فلنجعل من عيدنا عرسا نضاليا سيترك صدى قويا، ولنعلن لكل من يهمه الأمر: حكومة وأرباب عمل وسلطات، أن الاتحاد سيظل مستعدا لكل الاحتمالات، قوي الإصرار والعزم على مواصلة النضال الإجتماعي/السياسي دفاعا عن قضايا الأجراء وعن الفئات الشعبية وعن مطالبهم وحقوقهم…
أخواتي، إخواني،
تكتسي احتفالات فاتح ماي هذه السنة طابعا خاصا، ذلك أنها تصادف تعيين حكومة جديدة/قديمة، تشكلت بعد مخاض عسير نتج عنه فراغ حكومي دام ما يناهز نصف السنة، ذهب ضحيته العاملات والعمال من تسريح وتقليص ساعات العمل وإغلاق المقاولات.
لقد صادرت الحكومة السابقة، طيلة خمسة سنوات، حق الحركة النقابية المغربية في الحوار الاجتماعي، وهو الحق الذي تضمنه المواثيق والعهود الدولية، ويحميه الدستور المغربي.
فهل ستستخلص الحكومة الجديدة/القديمة الدروس والعبر، وتصحح ما أفسدته الحكومة السابقة، التي أبدعت في عدائها للطبقة العاملة المغربية ولحركتها النقابية المستقلة. ذلكم العداء/الحقد، دفع منظمتنا إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية من جديد وذلك بمختلف الوسائل النضالية، إدراكا منها أن جوهر الخلاف النقابي/الحكومي هو سياسي بامتياز.
أخواتي، إخواني،
وفي الوقت الذي يتطلب نجاح التجربة الحكومية تكريس الديمقراطية والمقاربة التشاركية، ومبادئ الحكامة الجيدة.. سار رئيس الحكومة الجديد على نفس نهج سلفه، حيث نص في برنامج حكومته على “مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وتعهد باستكمال ما تبقى من الإصلاحات، وبالعمل على المحافظة على التوازنات المالية والماكرو/اقتصادية..”، فعن أي إصلاحات يتحدث رئيس الحكومة؟، أتلكم التي اتخذتها الحكومة السالفة على حساب الطبقة العاملة وعموم الفئات الشعبية !!! واختار رئيس الحكومة عدم إجراء أية مشاورات قبلية مع الحركة النقابية خلال إعداد التصريح الحكومي، في حين عقد لقاء مسبقا مع ممثلي الباطرونا.. وانصاع لنزواتهم وهو ما تعتبره منظمتنا مؤشرا سلبيا دالا على استمرار نفس المقاربة اللاديمقراطية/الإقصائية تجاه الحركة النقابية المغربية .
فما هي يا ترى الإصلاحات التي يتحدث عنها التصريح الحكومي الجديد ؟
ليس من عادات الإتحاد أن يصدر أحكاما مسبقة، أو يقوم بقراءة نوايا أية حكومة قبل أن يتلمس ويحتك بأفعالها وانعكاسات قراراتها وإجراءاتها على واقع ومستقبل الطبقة العاملة المغربية والجماهير الشعبية .
غير أن التصريح الحكومي الجديد واضح في توجهاته المعادية للعمال وللحركة النقابية.. حيث يستهدف بالأساس:
- تفكيك مدونة الشغل المتوافق عليها بين الدولة وأرباب العمل والحركة النقابية.. وذلك استجابة لدعوات وضغوطات أرباب العمل المطالبين بمنحهم حرية التصرف والتحكم في علاقات العمل والاستخدام والتسريح الفردي والجماعي، للعاملات والعمال تحت يافطة المرونة في الشغل أي التسريح الفردي أو الجماعي للعمال دون قيد أو شرط، وإدخال الهشاشة في الشغل.
- إقرار الهشاشة في الوظيفة العمومية، عبر إجراء دخيل عن القطاع العام، ألا وهو العمل بالعقدة.
- إخراج القانون التنظيمي/التكبيلي للإضراب،
- إعداد القانون المتعلق بالنقابات المهنية أي التدخل والتحكم في الشؤون النقابية،
- مواصلة تفكيك منظومة المقاصة من خلال رفع الدعم تدريجيا عن المواد الأساسية وبالتالي ضرب القدرة الشرائية لعموم المواطنين.
أخواتي، إخواني،
من خلال التصريح الحكومي الجديد، يتضح جليا أن الحكومة الحالية تفتقد لنموذج تنموي مستدام قادر على إخراج المغرب من أزمته الهيكلية/البنيوية العميقة.. إن الإجراءات والتدابير الواردة في البرنامج الحكومي ستعمل على تعميق تبعية اقتصادنا للخارج وإخضاع البلاد لتعليمات ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
كما أن الحكومة الجديدة/القديمة تسعى بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على التوازنات المالية والماكرو-اقتصادية، على حساب التوازنات الاجتماعية والمجتمعية والاستقرار، والتماسك الاجتماعي.. مما يعني أنها ستنتهج سياسة التقشف السيئة الذكر ذات الانعكاسات الخطيرة والمدمرة على الاستثمار العمومي. وعلى الاقتصاد الوطني والمجتمع بكامله. مما سيؤدي إلى تفاقم الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، والزيادة في الضرائب، وارتفاع الأسعار، وتجميد الأجور، وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، والهجوم المعادي للعمال ولحركتهم النقابية باعتبارها الإطار المعرقل والمعيق لتحقيق أهداف البورجوازية.
وفي المقابل، سترصد الحكومة الحالية أموالا عمومية طائلة لفائدة البرامج والمبادرات التي تروج لها، وذلك تحت مبرر تشجيع الاستثمار والمقاولة، وتوفير الشروط الملائمة لإنتاج الثروة ومواجهة التنافسية الخارجية، وحل معضلة البطالة والفقر… إنه كلام حق يراد به باطل. لأن الرابح الوحيد من كل هذه التمويلات الخيالية، التي تأتي غالبا من الضرائب التي يدفعها الشعب المغربي، هم الأثرياء والمحظوظون المستفيدين من الريع والامتيازات والإتاوات التي تحول لهم بسخاء من طرف الحكومة.
أخواتي، إخواني،
بهده المناسبة العمالية نجدد ما تم إبلاغه إلى رئيس الحكومة الجديد في لقاء مع وفد الأمانة الوطنية يوم الاثنين 24 أبريل 2017 بمقر رئاسة الحكومة، أن الاتحاد المغربي للشغل:
- يحذر الحكومة الجديدة/القديمة من أن اختياراتها ستعمق الهوة بين مغرب المستفيدين من الثروات، ومغرب الفقراء والمهمشين، مغرب “الحكرة”.. وأن هذه التمايزات الاجتماعية والتفاوتات الطبقية العميقة أصلا، تحمل في طياتها بوادر توترات اجتماعية.
- يسجل استمرار الانتهاكات الجسيمة التي تطال الحريات والحقوق النقابية والعمالية التي تقع أمام أعين السلطات الحكومية والعمومية، بل بتواطؤ مكشوف معها. لدرجة أصبح فيها العمل النقابي يعرض مسؤولي وممثلي منظمتنا إلى مخاطر ومآسي لا تحصى. في جميع القطاعات الإنتاجية والجهات، حيث يصبحون عرضة للملاحقات والمحاكمات والطرد، بمجرد تأسيسهم لمكتب نقابي أو مطالبتهم باحترام بنود مدونة الشغل، واحترام الحرية النقابية والكرامة العمالية. وفي كثير من الحالات تصدر في حقهم أحكاما قاسية بمقتضى الفصل 288 المشؤوم الذي كان يستعمله المستعمر لتجريم ممارسة العمل النقابي .
- يرفض مراجعة مدونة الشغل، ويذكر أنها ثمرة توافق وتراض بين الدولة وأرباب العمل والحركة النقابية. بل إن المشغلين الذين يضغطون اليوم على الحكومة من أجل مراجعتها، هم الذين طالبوا بها طيلة الثمانينات والتسعينات… ويوضح أن الباطرونا تطالب في الحقيقة بالرجوع إلى قانون الغاب عبر كراء الخدمة، وسوق شغل يحكمه منطق “المُوقَف”، وتسعى إلى شرعنة السيبة الاجتماعية السائدة أصلا في العلاقات المهنية. شرعنة قانون القوة ضدا على قوة القانون .. مستفيدة من عدم تدخل الدولة لفرض قوة القانون في أماكن العمل.
- يذكر الحكومة الحالية أن حق الإضراب لم يأت هبة أو منة من أحد، بل انتزعته الطبقة العاملة المغربية انتزاعا عبر نضالات مريرة. وهو حق تحميه المواثيق والعهود الدولية، وتضمنه مختلف الدساتير المغربية منذ أول دستور سنة 1962، وتعتبره أحد الحقوق الأساسية للحركة النقابية. ويعلن انه سيواصل مواجهة كل المحاولات الرامية إلى تكبيله وتجريمه، ويطالب بإخراجه من قبة البرلمان، وإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي، انسجاما مع التوجيهات الملكية التي أكدت على ضرورة أن يخضع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب للحوار والتوافق بين الأطراف الثلاثة: حكومة و أرباب العمل و حركة نقابات.
- يذكر رئيس الحكومة الحالية ووزرائه أن الحوار الاجتماعي شكل نقطة خلاف جوهري مع الحكومة السابقة، وأن الخلاف النقابي/الحكومي حوله عميق وجوهري. ويتعلق أساسا بمفهوم ومضمون الحوار الاجتماعي. وأن منظمتنا ترفض تزكية الحوارات الشكلية، وتطالب بإجراء حوار يدور حول ملفات وقضايا مضبوطة، ويتوخى بلوغ أهداف محددة، أي التوصل إلى اتفاقات ملزمة لمختلف الاطراف الموقعة عليها .
- يطالب رئيس الحكومة بالاستجابة لتوصية لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول ملف التقاعد، وذلك بتجميد الإصلاحات المقياسية للتقاعد، وإعادة الملف لطاولة الحوار الاجتماعي .
أخواتي، إخواني،
بهده المناسبة، يثمن الاتحاد عاليا عودة المغرب لمكانته الطبيعية والتاريخية داخل هياكل منظمة الاتحاد الإفريقي، ويؤكد مواصلة لعب أدواره الطلائعية وسط الحركة النقابية الإفريقية، خدمة للمصالح المشتركة للطبقة العاملة والشعوب الإفريقية، و يجدد التأكيد على استمرار التعبئة داخل الطبقة العاملة المغربية والجماهير الشعبية دفاعا عن الوحدة الترابية للمغرب، ومن أجل استعادة سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، كما يعبر عن تضامنه مع كل الضحايا والشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الصحراء المغربية .
من جانب آخر، فإن الاتحاد المغربي للشغل الذي يتمتع بإشعاع دولي هائل داخل الحركة النقابية المغاربية والإفريقية والعربية والدولية، سيستمر في مناصرة قضايا ونضالات العمال المغاربة دفاعا عن الحرية النقابية و العمل اللائق و باقي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تحميها المواثيق والعهود الدولية والقوانين الوطنية .
ولكون الاتحاد جزء لا يتجزأ من حركات التحرير الوطني والقوى الديمقراطية والتقدمية المحبة للعدل والسلام، فإنه يجدد تضامنه المبدئي مع مختلف نضالات عمال وشعوب العالم التي تكافح من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة واستقلال وسيادة أراضيها، ويعبر عن تضامنه اللامشروط مع عمال وشعب فلسطين، وعن مساندته الكاملة والدائمة إلى غاية قيام الدولة الفلسطينية الوطنية الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين.. كما يعبر عن تضامنه المطلق مع القضايا العادلة والمشروعة لعمال وشعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن والسودان، وباقي الشعوب العربية، ويطالب بعدم المساس بالوحدة الترابية لأراضيها، والحفاظ على تماسك مختلف مكونات شعوبها.
أخواتي، إخواني،
لا عنف الهجوم المعادي للعمال، ولا محاولات الحكومة السابقة التي سعت إلى إضعاف الحركة النقابية المستقلة، بل في محاولة يائسة إلى القضاء عليها، عبر مصادرة حقوقها لمدة خمسة سنوات، والتفرج على الانتهاكات الجسيمة التي طالت الحرية النقابية ومختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية للطبقة العاملة المغربية، ولا تمرير القوانين التراجعية بشكل انفرادي/فوقي/تعسفي، سيثنينا على مواصلة النضال لفرض الاحترام والكرامة، ولحماية وصون الحقوق والمكتسبات.. بل إن هذه العوامل مجتمعة ستزيدنا عزما وإصرارا على مواصلة النضال لاستعادة حقوقنا المشروعة.
بل، إن الاتحاد المغربي للشغل اليوم أقوى من ذي قبل، ويتمتع بمصداقية كبيرة، وبتمثيلية واسعة، ويحظى بثقة مختلف مكونات الطبقة العاملة المغربية، ومختلف القوى الوطنية، السياسية والمدنية والشبيبة والنسائية والحقوقية..
وعليه تؤكد منظمتنا مرة أخرى أن الحكومات تمر وتزول، لكنها تترك من ورائها، ذلكم الدرس الأبدي: أي أن كل سياسة لا تحظى بدعم الطبقة العاملة يكون مصيرها الفشل والإخفاق. وأن الطبقة العاملة المغربية، تحت قيادة الاتحاد المغربي للشغل، التي استطاعت أن تلعب الدور ألطلائعي و الحاسم في معركة التحرر الوطني، تبقى القوة الاجتماعية التي تكون المناعة للتماسك الاجتماعي والمجتمعي، مستعدة للتحاور، شريكة ومنفتحة على كل القوى الحية التي تحمل مبادئ التغيير والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية .
عاش الطبقة العاملة المغربية
عاش الاتحاد المغربي للشغل
عاش المغرب
فاتح ماي 2017