بعد سنة سيصبح المغرب “كعبة” العالم حقوقيا، إذ ستتقاطر عليه كل المنظمات والهيآت والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان سواء تلك التابعة للأمم المتحدة أو للحكومات أو للمجتمع المدني من مختلف القارات (قد تصل إلى 10 آلاف مشارك) للمشاركة في النسخة الثانية من المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، وهي النسخة التي وافق المجتمعون في منتدى برازيليا المنعقد من 11 إلى 14 دجنبر 2013 على عقدها في المغرب.
احتضان المغرب للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان يأتي في سياقين مهمين꞉ السياق الأول داخلي يتجلى في الدينامية التي عرفتها البلاد منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي وتسارعت وثيرتها منذ عام 2000 بدء من الانفراج في العلاقة بين أطراف الحقل السياسي وانتهاء بالتخمة في دسترة الحقوق في وثيقة 1 يوليوز 2013 مرورا بهدم المعتقلات السرية والإفراج عن المعتقلين وعودة المنفيين.
وتشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيأة الإنصاف والمصالحة وطي سنوات الرصاص والمصادقة على معظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وملاءمة التشريع الوطني مع المقتضيات الدولية واستدعاء المقررين الأمميين لزيارة المغرب وخلق المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان والآليات الأخرى المصاحبة (ديوان المظالم + الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة وغيرها) والالتزام بدورية تقديم التقارير للهيآت الأممية في كل ما يخص حقوق الإنسان والتعهد بالوفاء بأهداف الألفية بنهاية عام 2015.
أما السياق الثاني فهو خارجي يتمحور في كشافات الضوء التي سلطت على المغرب في الآونة الأخيرة، وهي كشافات كادت تصور المغرب، وهي كشافات كادت تصور المغرب وكأنه “كوريا الشمالية” أو “الجزائر” أو “الصومال” (صحيح أن تصويب الرادار الحقوقي العالمي على المغرب راجع لكونه اختار الانضمام للمجتمع الكوني بشكل إرادي مع ما يصاحب هذا الاختيار من خضوع للمراقبة لمعرفة هل التوقيع على المعاهدات تم “للتزلاج” و”الصابونة” والتمويه، أم هو توقيع يعكس الرغبة الفعلية في ترسيخ وتمثل ثقافة حقوق الإنسان بالمغرب. لكن صحيح أيضا أن المغرب حرق مراحل مهمة في هذا
المجال مقارنة مع العديد من الدول في الحوض العربي والإسلامي والإفريقي إلا أنه لم يحسن تسويق منتوجه الحقوقي في العالم بشكل جعل العديد من الفعاليات والأصوات في هذا التنظيم أو ذاك لا يعرف عن المغرب إلا ما كان يحدث قبل 1999. وبالتالي كانت التقارير الصادرة عن بعض المراكز الجامعية أو الدراسية أو عن منظمات مصدرها الجهل الكامل بالمتغيرات والتحولات التي عرفها المغرب مؤخرا.
تقديم المغرب لترشيحه لاستضافة النسخة الثانية من المنتدى العالمي كان جرأة كبيرة خاصة وأن التحضيرات لعقد المنتدى في العام المقبل ستتزامن مع حدثين مهمين꞉ الأول يكمن في دورة مارس 2014 بجنيف الخاصة بحقوق الإنسان والتي (أي الدورة) سيعرض فيها المغرب تقريره الداخلي، أما الحدث الثاني فيتلخص في اجتماع مجلس الأمن في أبريل 2014 لدراسة تمديد مهام المينورسو، وهي المهام التي كادت أن تجرف العلاقة بين المغرب والإدارة الأمريكية في السنة الحالية قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها عقب اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس والرئيس أوباما مؤخرا.
جرأة المغرب في طلبه احتضان هذا المنتدى العالمي لحقوق الإنسان لا تستقيم إلا إذا رافقتها جرأة في التنظيم وفي تحديد المحاور وفي اختيار الضيوف والرموز الحقوقية العالمية.
فتنظيميا، ليس سهلا استقبال 10 آلاف فرد سيحلون ضيوفا على المغرب من مختلف القارات واللغات والحضارات والثقافات وهو ما يقتضي التوفيق في اختيار المدينة التي ستكون مؤهلة لاستقبال هذا العدد الهائل (فنادق + ترجمة بلغات متعددة + أمن + حسن استقبال في المطارات والفنادق + ترفيه ومهرجانات موسيقية موازية…)
بخصوص المحاور يتعين استحضار أهم أهم الانشغالات الحقوقية الكونية لتكون محط دراسة ومساءلة في المنتدى مع تحديد عدد الورشات ومحاورها.
أما بشأن اختيار الضيوف، فالمطلوب تنويع الرموز الحقوقية لتمثيل كل الثقافات والقارات والدول الوازنة إن في إفريقيا أو أوربا أو أمريكا أو آسيا أو أوقيانوسيا، بدل الاقتصار على استدعاء نفس الأسماء من نفس البلدان، بل يتعين استدعاء المنظمات والشخصيات الحقوقية التي لا تشارك المغرب أطروحته الرسمية. وعلى الأحزاب المغربية حسب العائلات السياسية الموجودة عالميا (أممية لبرالية + أممية اشتراكية + إلخ..) أن تستغل المناسبة لاستدعاء من يمثل الأحزاب الحليفة في هذا البلد أو ذاك..
المغرب بعد أن خذل في تنظيم المونديال وأصيب بالنكبة في تنظيم “إكسبو” وفشل في احتضان المنتدى
الاجتماعي العالمي و”زهقت” منه فرصة كأس إفريقيا ولم يحظ مرة أخرى بالألعاب المتوسطية، أمامه الآن فرصة ذهبية لتسويق صورة أخرى جديدة “بدون زواق” عن مغرب مشبع بالرغبة في تمثل ثقافة حقوق الإنسان ليس من أجل الحصول على صك إبراء الذمة فحسب، بل ليكون سؤال جلب العالم إلى المغرب هو السؤال الحارق لكل المسؤولين المغاربة، إذ كلما حل العالم بدولة وفتحت الأبواب على مصراعيها لمن يود الدخول كلما ازدادت ثقة المجتمع الدولي في هذا البلد من كونه لا يملك ما يخفيه عن الأنظار.
فها هي البرازيل، ما أن ودعت النسخة الأولى المنتدى العالمي لحقوق الإنسان (8000 مشارك) حتى بدأت تستعد لاحتضان أهم منتدى عالمي في التربية المقرر تنظيمه في يناير في بلدية كانوس، وتستعد لاحتضان أهم منتدى عالمي اجتماعي في مدينة أليغري في فبراير 2014، وتستعد على التوالي لاحتضان أهم عرس رياضي عالمي (مونديال 2014) والألعاب الأولمبية لعام 2016.
فهل سيربح المغرب رهان الانفتاح على العالم وطي ملف حقوق الإنسان أم سيضيع الفصة ويبقى المغرب في خانة الدفاع بدل الهجوم؟
ذاك ما تجيب عنه الحوارات الصحفية التي خص “الوطن الآن” بها في برازيليا كل من أحمد حرزني الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وعبد القادر أزريع، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان وحمودة صبحي الكاتب العام لمنتدى بدائل المغرب وعبد الرحيم المصلوحي الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أكدال.
(انظر الملف الخاص الذي أعددناه حول هذا الحدث الحقوقي الدولي في صفحات (5-6-7-8-9).
العدد545
عبد الرحيم أريري