يتحدث الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في هذا الحوار الذي أجرته معه «المساء»، عن الاتفاقيات التي لم تلتزم بها الحكومة والمتمخضة عن الحوار الاجتماعي، كاشفا عن موقف النقابات من استثناء موظفي الجماعات المحلية والأمن من الزيادات في الأجور.
كما يبرز مخاريق أيضا تفضيله إجراء تفاوض مع الحكومة القادمة عوض الحوار الاجتماعي الحالي، الذي اعتبره غير مادي ومجرد دردشة، ويرد على عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، بشأن تجميد الأجور، كما يعرض وجهة نظره حول صندوق المقاصة ومشروع الاقتطاع لدعم الأغنياء للفقراء ومشروع قانون المالية لسنة 2012.
– في البداية أين وصل الحوار الاجتماعي؟
> أولا، بصفتي أمين عام الاتحاد المغربي للشغل، نعلن مرة أخرى، تضامننا مع الأخ رشيد نيني، وكما سبق في عدة مناسبات نجدد طلب إطلاق سراحه، إذ لا يوجد أي مبرر كي يبقى صحفي مسجونا ويرفض له السراح المؤقت، فنحن في الحركة النقابية نعلم جيدا فاتورة النضال على مجموعة من الواجهات، النضال النقابي والسياسي، وكذلك النضال الصحافي من أجل حرية الرأي. لذلك نتضامن معه ونطالب السلطات العمومية بالإفراج عنه حتى يرجع إلى أهله وعائلته الصغيرة والكبيرة.
أما فيما يخص الحوار الاجتماعي، فكما تعلمون وقعنا مع الوزير الأول اتفاقا يوم 26 أبريل 2011، وهذا الاتفاق تضمن مجموعة من الإجراءات نعتبرها لا ترقى إلى مطالب وتطلعات الشغيلة المغربية، بعد دراستها. في الاتحاد النقابي لنا إستراتيجيتنا ونتحاور مع من يتحاور معنا، ونتفاوض مع من يتفاوض معنا، وننتزع ما يمكن انتزاعه، والمعركة والنضال مستمران على باقي الواجهات، إذ انتزعنا، مثلا، زيادة عامة في الأجور بقيمة 600 درهم صافية في الإدارات العمومية والمؤسسات والجماعات المحلية، وسجلنا كذلك زيادة في الحد الأدنى للمعاش من 600 درهم إلى 1000 درهم. ورغم أنها زيادة ضئيلة فقد انتزعناها. كذلك طرحنا مجموعة من الملفات الكبرى في قطاع التكوين المهني والضمان الاجتماعي والنقل الحضري، واستطعنا التغلب عليها. اتفقت معنا الحكومة على مبدأ التسقيف في مجال الترقية الداخلية الذي ننتظر أجرأته، وسجلنا كذلك الزيادة في الحد الأدنى للأجر بقيمة 10 في المائة، ابتداء من فاتح يوليوز 2011، و5 في المائة بالنسبة إلى سنة 2012. إلا أن الحكومة لم تف بمجموعة من الوعود.
– ما هي هذه الملفات التي ما زالت عالقة في الحوار الاجتماعي؟
> مثلا الزيادة العامة في القطاع الخاص، إذ لم تصدر الحكومة الدورية التي اتفق معنا الوزير الأول عليها، وهي تعميم زيادة 10 في المائة على الأقل بالنسبة إلى باقي الأجور التي تفوق الحد الأدنى للأجر، فزيادة 10 في المائة هي في الحد الأدنى للأجر بعد إضافة 220 درهما، ولكن الناس الذين يتقاضون فوق الحد الأدنى للأجر، الذي كان سابقا محددا في 2180 درهما وأصبح 2380 درهما، ما مصيرهم؟ أي أن المستفيدين من زيادة 10 في المائة سيصبحون يتقاضون أجرا يفوق من كانوا يفوقونهم أجرا، فبعض القطاعات المنظمة داخل الاتحاد استطاعت أن تنتزع هذه الزيادة، ولكن الحكومة، كما اتفقت معنا، لم تصدر دورية بالزيادة العامة في الأجور كي يكون لزيادة 10 في المائة انعكاس على باقي الأجور، ومن ثم هناك أزمات اجتماعية في مجموعة من المعامل والوحدات الإنتاجية.
كذلك الأمر أيضا بالنسبة إلى المعاشات، إذ رغم إلحاحنا على أن تتم زيادة 30 في المائة في التقاعد بالنسبة إلى المتقاعدين والمتقاعدات، الذين يتقاضون أجورا ومعاشات هزيلة، لم تف الحكومة بوعدها بدراسة هذا الملف من أجل بلورة هذه الزيادة.
نقطة أخرى عالقة وهي إصدار دورية من أجل مفاوضات قطاعية، فالحكومة لم تصدر هذه الدورية، سواء في قطاعات الصحافة أو الكيماويات أو النقل أو الحديد… وهذا يساهم في اصطدامات اجتماعية من أجل هذه المفاوضات. وفي الوقت الذي أحاوركم فيه، هناك أزمة في المكتب الوطني للمطارات بسبب رفض المسؤولين الحوار مع نقابة الاتحاد المغربي للشغل للتقنيين، وحتى إذا تحاوروا يرجعون عن اتفاقهم. هذا الوضع يشمل قطاعات عديدة أخرى.
خلال الحوار الاجتماعي، التزمت معنا الحكومة بفرض احترام الحريات النقابية، التي كرسها الدستور، بالمصادقة على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية، التي تزكي وتثبت الحق النقابي، وبإصدار دورية لدى الولاة والعمال ورؤساء المصالح والوزارات من أجل فرض احترام الحريات النقابية، لكن للأسف ما نتوفر عليه من إحصاءات حول خرق هذا الحق الدستوري تتنامى وتتصاعد في كل مدينة وجهة وقطاع، وكانت قمته في مكناس وتازة وفاس والرباط، وبطبيعة الحال في المدينة العمالية الدار البيضاء.
– لكن مدة انتداب الحكومة الحالية اقتربت من الانتهاء، كما أنها رفعت شعار سياسة التقشف. ألن يعرقل هذان العاملان تنفيذ بقية اتفاقات الحوار الاجتماعي؟
> نحن نعتبر أن الحوار الاجتماعي هو أولا التزام من طرف حكومة يجب عليها السهر على تطبيق القانون وحماية القدرة الشرائية لعموم المأجورين. لا أظن أن هذه الحكومة لها من الإرادة السياسية والقدرة على فتح دورة للحوار الاجتماعي كما كانت قد التزمت بفتحها في أواخر شتنبر وأوائل أكتوبر. فإذا ما كان هناك حوار سيكون حوارا للاستهلاك والديكور وامتصاص الغضب الموجود بالساحة الاجتماعية، ومن ثم فإن الاتحاد المغربي للشغل لا يؤمن بأي حوار تنادي به هذه الحكومة، ونحن على بعد بضعة أسابيع من الانتخابات التشريعية، وبالتالي سنصبح أمام رئيس حكومة وحكومة جديدين، فالمعركة مستمرة وسننتظر الحكومة الجديدة ونعرف أي لون أو طعم لها. وإذا كان للحكومة برنامج اجتماعي سنتفاوض معها لأننا نفضل التفاوض الجماعي على الحوار الاجتماعي، لأن الحوار غير مادي وهو مجرد دردشة.
– وهل ستضطرون إلى طلب تدخل المستشار الملكي، محمد المعتصم، لتفعيل اتفاقات الحوار الاجتماعي العالقة؟
> على كل حال، محاورنا نحن هو الجهاز التنفيذي، الذي بيده المالية والوظيفة العمومية وحل نزاعات الشغل. قلت لك سننتظر الحكومة الجديدة، وأول ملف سيوضع على طاولة رئيس الحكومة الجديد من طرف الاتحاد المغربي للشغل هو الملف الاجتماعي وملف المفاوضات الجماعية من أجل الزيادة العامة في الأجور والتخفيض من الضريبة العامة على الدخل والمعاشات، واحترام القانون ومدونة الشغل والحريات النقابية، خصوصا أننا سنعيش في ظل دستور جديد أطلق الجانب الاجتماعي، وسنرى ما هو الاجتماعي في هذا الدستور.
– تتواصل احتجاجات بقطاعات لم تشملها زيادة 600 درهم، مثل قطاعات الجماعات المحلية والأمن الوطني. لماذا لم تقرر لهذه القطاعات نفس الزيادة؟
> حينما تفاوضنا مع الحكومة والوزير الأول والوزراء المفوضين، أول خطأ نبهنا إليه وانتزعناه هو أن الحكومة لم تكن تقر بالزيادة في الأجور لموظفي الإدارة العمومية والوزارات، فأثرنا انتباهها إلى مصير المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، والمؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري والصناعي، وأن الموظفين في الجماعات المحلية يجب أن يستفيدوا من هذه الزيادات، وكذا باقي شرائح الموظفين، الذين يجب أن يستفيدوا كذلك من هذه الزيادة. وقد استطاع الاتحاد المغربي للشغل شمل موظفي الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بهذه الزيادة، وقد استفادوا فعلا من ذلك، لكن رجال ونساء الأمن الوطني لم يستفيدوا خلافا لشرائح أخرى تشتغل في مجال الأمن، بذريعة أنها استفادت من قانون أساسي جديد. وللتاريخ، طرحت المشكل، بصفتي أمينا عاما للاتحاد المغربي للشغل، على وزير الداخلية من أجل تعميم هذه الزيادة على رجال الأمن لأنهم يسدون خدمات جليلة من أجل الحفاظ على الأمن الوطني. وكذلك طرحت هذا المشكل على المستشار الملكي حتى يستفيد رجال الأمن من هذه الزيادة، رغم منعهم من حق العمل النقابي والإضراب، ولكنهم عندما يصلون إلى سن التقاعد ينضمون إلى الاتحاد المغربي للشغل لأنهم أصبحوا أحرارا. لقد دافعنا عنهم كي يستفيدوا من الزيادة لأنهم جزء لا يتجزأ من الشغيلة المغربية، ونحن نعرف ظروف العمل السيئة التي يشتغلون فيها، خصوصا عندما تكون البلاد أو مدينة معينة في حالة استثنائية.
– تم تسريب وثيقة، مؤخرا، متعلقة بالحوار الاجتماعي، تكشف الاتفاق على صرف زيادات خيالية في أجور موظفين سامين وقضاة. ما ردك؟
> هذا هو المشكل في المغرب، فالهوة تكبر بين الشرائح الاجتماعية. قيل إن بعض المسؤولين تمت زيادة أجورهم بإضافة ما بين 6 آلاف و15 ألف درهم، ونحن في الاتحاد ضد الفوارق الاجتماعية، ضد إغناء الغني وإفقار الفقير، وحينما تقع زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية يلتهب الكل بهذه الزيادة، من العامل والموظف البسيطين إلى الموظف السامي. هذا يدخل في سوء تدبير السياسة الأجرية في المغرب، وهو ما يندد به الاتحاد المغربي للشغل، الذي كان دائما يطالب بتوزيع عادل لخيرات البلاد، فالمغاربة كلهم سواسية، ولا معنى أن تقر زيادة خيالية لموظفين سامين وتقر زيادة 600 درهم للموظفين البسطاء، وعندما ستأتي المناسبة سنندد بهذه الإجراءات.
– لكن هذه الإجراءات اتخذت في ظل الحوار الاجتماعي الذي شاركتم فيه؟
> لا أبدا، لم تؤخذ هذه الإجراءات باتفاق معنا ولم نستشر فيها، بل تم تمرير هذه القرارات في سرية تامة بين الحكومة وبعض الأوساط، ولو طرحت هذه النقطة في الحوار الاجتماعي لعارضها الاتحاد المغربي للشغل لأننا كلنا مغاربة ويجب على المغاربة على حد سواء أن يستفيدوا من خيرات هذا الوطن.
– في هذا السياق، تم الحديث مؤخرا عن إحداث صندوق يتشكل من اقتطاعات من أموال الأغنياء لدعم الطبقات الفقيرة. كيف تنظر إلى هذا المشروع؟
> هذا اقتراح للاتحاد المغربي للشغل منذ أن ظهر العجز الكبير في صندوق المقاصة. هذا الصندوق الغريب، الذي لم يعرف أحد من أين تأتي موارده وكيف تصرف، فأنا شخصيا، بصفتي أمينا عاما لمنظمة لها تاريخها ودراساتها، حاولت بجميع الوسائل تجميع وثائق صندوق المقاصة، الذي نسميه الصندوق المغلق، الذي يتعذر على أي أحد معرفة ما بداخله، باستثناء، ربما، مديره العام ووزير المال ووزير آخر. أسباب نزول صندوق المقاصة هذا هو دعم القدرة الشرائية للجماهير الشعبية والمسحوقة، فإذا بالأغنياء وأكبر البورجوازيات المغربية تستفيد منه وتقتني المواد المدعمة، وأكثر من هذا يمتصون دماءنا، حسب الإحصائيات التي قدمها لي أعضاء دائرة الدراسات بالاتحاد، إذ أن ثلاثة أرباع ميزانية صندوق المقاصة يستفيد منها الأغنياء فقط.
إذن نحن مع استفادة السكان المعنيين بصندوق المقاصة، والحكومة تقول لنا إنه يصعب عليها تحديد الفقراء والأغنياء، لذلك اقترحنا الضريبة على الثروة ومصالح وزارة المالية، في ما يخص الضريبة، معروف لديها الأثرياء والبرجوازيون الذين لا يساهمون في دوران اقتصاد البلاد، بل يمتصون ثروات البلاد.
– في بداية الأسبوع، قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إن للنقابات سقف مطالب عال، في الوقت الذي تعاني الدولة مشاكل اقتصادية في علاقة مع تأزم الوضع في المحيط الاقتصادي العالمي. هل تتفقون مع وضع أرضية توافقية مع الحكومة تبعا لهذا التشخيص الذي قدمه الجواهري؟
> الجواهري نعرفه منذ زمن عندما كان رئيسا مديرا عاما للبنك المغربي للتجارة الخارجية، وعندما اشتغل بالصندوق المهني المغربي للتقاعد. الجواهري، والي بنك المغرب، الذي يملكه المغاربة كلهم، وراتبه يتقاضاه من ضرائبنا، ونحن المأجورون من يؤدي الضرائب بانتظام قبل أن نتوصل بالرواتب.. فإذا أراد الجواهري أن يصبح مستشارا للحكومة ضد النقابات، سنعرف كيف نواجهه، كما واجهناه في الماضي. وقد سبق لي أن أجبت الجواهري، عبر وسائل الإعلام ومباشرة، وتساءلت:لماذا لا يرفع الجواهري، في تقريره السنوي، توصية ويقول إن هناك أجورا خيالية يتقاضاها كبار الموظفين والمسؤولين عن المؤسسات العمومية، والتي تصل في بعض الأحيان إلى ضعف الحد الأدنى للأجر بـ450 مرة؟ لماذا لا يرفع توصية يقول فيها إننا سنخفض 30 في المائة من هذه الأجور الكبيرة ونرفع من الأجور المتوسطة والصغرى بـ30 في المائة؟ هو لا يعرف سوى أن يقول إن الشغيلة يجب أن تجمد أجورها وألا تستجيب الحكومة لمطالبها في الحوار الاجتماعي، وبأن هذه الإجراءات تزيد من الكتلة الأجرية. لماذا ينظر إلى أجور الصغار ويستثني الكبار؟ ليذهب إلى من يتقاضى 60 مليونا و70 مليونا في الشهر، وهم معروفون، فضلا عن استفادتهم من الكماليات والسيارات الفخمة التي تعد بالعشرات، إلى جانب فيلات السكن الوظيفي في البر والبحر والجبال. ألا يعرف الجواهري أن يدعو إلى الحد من الفوارق الاجتماعية في هذه البلاد؟
إذا لم يكن الجواهري قدم تقريره في الأسبوع الفارط، فأوصيه بأن يدرس هذا الاقتراح. وعلى كل، نحن في أول لقاء لنا مع الحكومة الجديدة، سنطرح هذه النقطة، وهي الحد من الفوارق الاجتماعية بين المغاربة من أجل مجتمع متضامن وعادل.
– ولكنْ هناك محللون اقتصاديون يتفقون مع طرح الجواهري، معتبرين أن الالتزام بنتائج الحوار الاجتماعي وتشغيل آلاف العاطلين من شأنه إرهاق ميزانية الدولة ويمكن أن يؤدي إلى إفلاس مستقبلي.
> هذا تحليلهم الاقتصادي بناء على الأرقام، ولكن يجب أن يراعوا البعد الاجتماعي. هل يظن هؤلاء المحللون أن عاملا متزوجا وله ابنان يمكن أن يعيش بـ«سميغ» قدره 2180 درهما لمدة شهر هو وعائلته، ويغطي به مصاريفه ومستلزمات عائلته؟ هذا تحليل الاقتصاديين. أما تحليل خبرائنا الاقتصاديين الذين يتوفرون على حس اجتماعي فيقولون العكس، ويؤكدون أن ميزانية الدولة، في أغلب الأحيان، تذهب في مصاريف البذخ، التي لا تعود على المواطن بالخير، وتستفيد منها البورجوازية الكبيرة، وأوضح مثال على ذلك هو صندوق المقاصة الذي يظهر، بالحجة والبرهان، أن كبار الملاكين والأغنياء هم الذين يستفيدون منه على حساب الفقراء والمأجورين.
– حاليا تجرى مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2012. من خلال إطلاعكم على مشروع قانون المالية، هل بدا لكم أنه يستجيب لمطالب النقابات؟
> قانون المالية، من خلال المسودة الأولية، لم يستجب لمطالبنا، التي تتجلى في تخفيض الضريبة على الدخل والأجور، فنحن المأجورون، الشريحة الاجتماعية الوحيدة في هذا البلد التي تؤدي ضرائبها بانتظام وبدون تملص جبائي لأنها تؤخذ من المنبع، خلافا لشرائح أخرى ومقاولات ومؤسسات تمارس التهريب الاجتماعي. كما نطالب بإعفاء الأجور، التي تقل عن 5 آلاف درهم من الضريبة على الدخل، وسن معدلات منخفضة بالنسبة إلى الأجور التي تفوق 5 آلاف درهم قصد تمكين الناس من عيش كريم.
كما ندعو إلى إعفاء المعاشات من الضريبة، إذ لا يعقل أن يظل عامل يؤدي الضريبة على الأجر منذ التحاقه بأول عمل حتى يحال على التقاعد، ويبقى مع ذلك يؤدي الضريبة على المعاش الهزيل. ثالثا، يجب على قانون المالية برمجة زيادة في الأجور في قطاع الوظيفة العمومية وشبه العمومية تماشيا مع مؤشرات تكاليف المعيشة، فكلما زاد المستوى المعيشي يجب أن ترتفع الأجور، وبالتالي يجب على قانون المالية أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الزيادة العامة، فلا يمكن أن تمر سنة 2012 بدون زيادة بالنسبة إلى القطاعات العمومية وشبه العمومية.
– وكيف تستعدون حاليا لمناقشة قانون الميزانية؟
> كالعادة، في الاتحاد المغربي للشغل يدرس أعضاء دائرة الدراسات مشروع قانون المالية، حسب الثوابت ومطالب الاتحاد المغربي للشغل، وسنواجه قانون المالية على مجموعة من الواجهات: أولاها ساحة النضال على المستوى النقابي، ثم في البرلمان كواجهة نضالية، إما في اللجان أو الجلسة العلنية من أجل الرفع والدفاع جهرا عن مطالب الشغيلة المغربية. ولكن نؤمن بالعمل النقابي والنضال على مستوى الساحة، في الإدارات والمقاولات والورشات، من أجل انتزاع حقوقنا.
– هناك انتقادات توجه إلى الاتحاد المغربي للشغل تتعلق بكونه بعيدا عن الحراك الاجتماعي في المغرب، مقارنة بنقابات أخرى في الخارج مثل النقابات التونسية التي قادت الثورة. إذ أصدر الاتحاد في البداية بيانا يدعم حركة 20 فبراير، ثم تراجع بعد ذلك عن هذا الدعم. لماذا؟
> أبدا، أبدا، هذا خطأ، فحركة 20 فبراير عندما برزت في هذا التاريخ أصدر الاتحاد المغربي للشغل بيانا تاريخيا، في 22 فبراير، يساند فيه حركة 20 فبراير بكل قواه ويدعو المناضلين والمناضلات في كل القطاعات والاتحادات الجهوية للاتحاد إلى الالتحاق بهذه الحركة، بل أكثر من هذا، فتحت مقرات الاتحاد المغربي للشغل على مصراعيها لاحتضان حركة 20 فبراير السلمية، في عدة مدن، إذ ما هي حركة 20 فبراير؟ إنها حركة من أبناء الجماهير الشعبية والكادحين وأبناء العمال والعاملات والممثلين النقابيين وأغلبهم في الاتحاد المغربي للشغل، بل أكثر من هذا نحن، كاتحاد مغربي للشغل وجامعات مهنية، أعضاء في المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، فالحركة رفعت جزءا كبيرا من مطالبنا التي كنا نطالب بها وندافع عنها.
بهذه المناسبة، سبق لي أن جددت دعم الاتحاد لحركة 20 فبراير في خطاب فاتح ماي، وندعمها بكل قوانا وسنبقى هكذا، ندعمها معنويا وماديا عبر فتح مقراتنا لها وتوفير كل الشروط الضرورية لأننا نتقاسم نفس المطالب.
وما دامت تحدثت عن تونس، فلنا اتصال كبير مع الاتحاد التونسي للشغل الذي دعم الحركة الاحتجاجية في تونس، وإخواننا في الاتحاد العام التونسي للشغل يتصلون بنا ويأخذون منا المشورة والنصيحة في إطار الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي.
– ولكن إذا كنتم تدعمون حركة 20 فبراير وتتبنون جزءا من مطالبها، فلماذا دعوتم إلى التصويت لصالح الدستور الجديد، في الوقت الذي رفضت الحركة الدستور الجديد وقاطعته؟
> هذا شأنها، فالاتحاد المغربي للشغل، كما تعلم، منظمة نقابية تأسست في 20 مارس 1955، وهي مستقلة عن الأحزاب والحكومة وأرباب العمل وعن كل القوى التي توجد في الساحة السياسية والاجتماعية، وهكذا كنا وهكذا سنبقى.أما موقفنا من الدستور فقد اتخذ من طرف الأجهزة المسيرة للاتحاد المغربي للشغل، وهي اللجنة الإدارية، التي هي أعلى هيئة تقريرية، بعد عرض الأمانة الوطنية لمحتوى الدستور، فنحن مستقلون وأخذنا قرارا نابعا من إرادتنا لأننا، في قراءتنا للدستور، وجدنا، بالقياس مع الدساتير القديمة، أن هناك نقلة نوعية، وطالبنا بإدخال الحقوق الاجتماعية والقانونية للمأجورين في الدستور فتمت أجرأة هذا الاقتراح. وقد طالبنا بالاعتراف بحق الإضراب الذي أقر بعدما كان غير موجود في النسخة الأولى من الدستور الجديد. إضافة إلى مقتضيات أخرى تهم حتى الجانب السياسي، بما في ذلك توسيع صلاحيات رئيس الحكومة وإقرار مجلس المستشارين الذي منه تأتي أجود القوانين المقترحة من طرف النقابيين.
– ولكن هناك أصوات داخل الاتحاد المغربي للشغل احتجت على الطريقة التي اتخذتم بها قرار التصويت لصالح الدستور، معتبرة أن هذا القرار لم يتم بتشاور مع قواعد الاتحاد؟
> قوانين الاتحاد المغربي للشغل معروفة، فالهيئة التقريرية، وهي اللجنة الإدارية المتكونة من جميع المكونات المهنية للاتحاد المغربي للشغل، اجتمعت وناقشت الدستور على مدى 5 ساعات، كما توجد الأمانة الوطنية التي ناقشت الدستور على مدى 4 ساعات، واتخذت القرار، ثم كان هناك نقاش واسع داخل الأجهزة المسيرة للاتحاد المغربي للشغل قبل اتخاذ القرار. وطبيعي أن تعبر بعض الأصوات عن آرائها في منظمة نقابية تضم مجموعة من التوجهات والأفكار السياسية من أقصى اليسار إلى اليمين، فضلا عن الإخوان الذين لهم مرجعية دينية ولكنهم موجودون داخل الاتحاد.. كما أنه طبيعي أن يكون هناك اختلاف، ولكن الجميع يحتكم إلى الديمقراطية الداخلية، وهو ما سهرت عليه الأمانة الوطنية بعقد اجتماع أجهزتها من أجل اتخاذ القرار.
على كل حال، الدستور هو مرحلة، وليس غاية في حد ذاته، فهو يحدد السلطة بما لها وما عليها، وما يهمنا الآن هو ما وراء الدستور، كيف ستكون هذه الانتخابات؟ هل ستكون انتخابات نزيهة وشفافة؟ وهل ستكون الحكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع ولها بعد اجتماعي وعطف على الطبقة العاملة والجماهير الشعبية؟ وهل ستتصدى الدولة لاستعمال المال الحرام ورفع شعار التصويت بدون ضغط والامتناع دون خوف؟. إن الخلاف كان دائما داخل الاتحاد من أيام المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد والمحجوب بن الصديق خلال التصويت على دساتير سابقة، بسبب ضم الاتحاد لتيارات سياسية مختلفة.
– هناك حديث عن الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام السمعي البصري داخل الاتحاد. ما هي تفاصيل هذا المشروع؟
> العاملون في القطاع الصحافي يعيشون ظروفا مهنية جد صعبة لا داعي لسردها، فالإخوان في الصحف المكتوبة والإذاعات والتلفزيون التحقوا بالاتحاد المغربي للشغل ليدعموا نقابتنا القوية، التي تجمع العاملين بالقناة الثانية. هذه الفكرة أشرفنا عليها في الأمانة الوطنية، وأنا أتابعها شخصيا من أجل تحسين أوضاع هذه الشريحة الاجتماعية المهمشة في المغرب، رغم أن الجميع يقرأ الجرائد ويطالع الأخبار.
وقد قرر أعضاء قيادة الاتحاد المغربي للشغل عدم الاقتصار على تأسيس نقابة الصحافيين المغاربة، وميلاد الجامعة الوطنية للصحافة للإعلام السمعي البصري، التي ستكون جهازا كبيرا يشتغل إلى جانب الجامعة الوطنية للمطابع، نظرا للعلاقة بين القطاعين، من أجل إنشاء جهاز قوي ضاغط من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية في أفق وضع اتفاقية جماعية وطنية لعقلنة القطاع وتحسين أوضاع العاملين به.